بايدن يفتح جبهة اليمن.. و”الرسالة” موجهة لإيران!

زادت الضربات الجوية والبحرية الأميركية والبريطانية لمواقع حوثية في اليمن، من احتمالات الذهاب نحو تصعيد إقليمي واسع، وعزّزت الخشية من صدام أميركي-إيراني مباشر، في تناقض مع رغبتي واشنطن وطهران المعلنتين بتفادي تحول الحرب في غزة، التي مضى عليها مئة يوم، إلى حريق شامل في المنطقة. 

وضعت واشنطن الضربات ضد الحوثيين، وكأنها في سياق “الخيار الأخير”، الذي كان لا بد منه من أجل وقف هجماتهم، بعدما كان ائتلاف “حارس الإزدهار” البحري الذي شكّلته الولايات المتحدة في كانون الأول/ديسمبر الماضي قد وجّه إنذاراً أخيراً، الأسبوع الماضي، للحوثيين من مغبة مواجهة “عواقب وخيمة” في حال استمروا في اطلاق الصواريخ والمُسيّرات على السفن في البحر الأحمر، وتلا ذلك يوم الأربعاء الماضي صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يدعو الحوثيين إلى وقف هجماتهم. فهل قرأت واشنطن في امتناع روسيا والصين عن استخدام حق النقض (الفيتو) لإسقاط القرار، عدم ممانعة الجانبين في توجيه ضربات صاروخية للحوثيين؟

الحسابات الأميركية تذهب أبعد من ذلك، إذا أن واشنطن ترى أن الهجمات الحوثية بدأت تشكل خطراً جدياً على سلاسل الإمداد في العالم، كون 12 في المئة من التجارة العالمية تمر من باب المندب. وتدنى عدد الحاويات التي تنقلها السفن عبر قناة السويس منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي وحتى 7 كانون الثاني/يناير الحالي بنسبة 60 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها قبل عام. ويمر في قناة السويس عادة ثلث الشحنات العالمية من الحاويات التي تقصد موانىء الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وشركة “تسلا” علّقت العمل في مصنعها بألمانيا، وهو الأكبر في أوروبا، بسبب القلق من تأخر سلاسل الإمداد التي تعتمد في جزء منها على الصين ودول آسيوية أخرى. أما الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح وعدا عن كونه مُكلفاً للبلدان المصدرة والمستوردة، فقد بدأ يترك تداعيات على نسب التضخم التي عادت إلى الارتفاع في الولايات المتحدة، وتالياً تهديد فرص الرئيس جو بايدن في الفوز بولاية رئاسية ثانية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وهذا يشير إلى أن الحوثيين يدركون تماماً قيمة الهدف الاقتصادي الذي اختاروه.

حنة بورتر: “من غير المرجح إلى حد كبير أن توقف الضربات الأميركية والبريطانية هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.. والحوثيون مرتاحون جداً للعمل في بيئة حربية.. إنهم أكثر نجاحاً عندما يعملون كجماعة عسكرية من نجاحهم كحكومة”

الضربة الأميركية التي لا يمكن فصلها عن امتدادات السياسات الداخلية الأميركية وحماوة التنافس بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، مؤشر واضح إلى أن بايدن أراد إظهار قدرته على القيادة في وقت يتعرض لهجمات من خصومه تتهمه بالتساهل حيال هجمات الحوثيين، انطلاقاً من عدم رغبته في الغوص في صراع يقود في نهاية المطاف إلى اشتباك مباشر مع إيران. وسبق لوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أن اتهم إيران خلال جولته الأخيرة في المنطقة بـ”مساعدة وتحريض” الحوثيين على استهداف السفن التجارية.

وسلّطت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الضوء على سفينة تجسس إيرانية كانت تُبحر في باب المندب وقد انسحبت من المنطقة إلى بندر عباس قبل ساعات من الضربات الأميركية. كما أن مسؤولاً أميركاً بارزاً قال ليل الخميس الماضي إن “إيران منخرطة عملانياً في تنسيق الهجمات من خلال توفير المعلومات الاستخباراتية والإمكانات للحوثيين لشن الهجمات”. ووضع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي الجمهوري مايكل ماكول الضربات في سياق “دفع العدوان الإيراني”. وقال: “هذه الليلة نبدأ باستعادة الردع”.

المخاطرة بتوجيه ضربة للحوثيين على سبيل الردع، وفق السردية الأميركية، قد تكون أقل كلفة على الرئيس بايدن من عدم التحرك لتأمين خطوط الملاحة البحرية في باب المندب، وهي مسألة لا تتعلق بالولايات المتحدة فحسب، بل تطاول شركاءها والصين وروسيا. إنما الصعوبة تكمن من الآن فصاعداً في إيجاد التوازن بين الرد على الحوثيين وعدم التورط في نزاع طويل الأمد.

ويتركز الاهتمام الأميركي الآن على تداعيات الضربة، التي لا تحظى بتأييد لدى الكثيرين من أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة. من السعودية إلى مصر وقطر وسلطنة عمان، حيث كان هناك تعبير عن القلق من امتداد الحرب. وحتى في الغرب، لا إجماع على الخيار العسكري؛ فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، نأت بنفسها عن الضربات، وإن كانت ألقت باللوم على الحوثيين في استهداف السفن التجارية.

القلق الأكبر، أن يصيب الرد الحوثي سفينة حربية تابعة لإئتلاف “حارس الإزدهار” أو أن يصيب ناقلة نفط فيتسبب بكارثة بيئية، أو أن يكون هناك توسع في القصف الحوثي ليشمل قواعد أميركية في المنطقة، أو حتى أن يتسبب في انهيار الهدنة وتجدد الحرب الأهلية اليمنية.

وتنقل صحيفة “الغارديان” عن الزميل غير المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن غريغوري جونسون في معرض تفسيره للضربات الأميركية والبريطانية، إن “الأمر يتعلق ببعث رسالة، ولكن أعتقد أن السؤال الرئيسي هو: ماذا لو لم تصل الرسالة، ما هي الخطوة التالية التي ستقدم عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟ هل سيقصفون مزيداً من الأهداف؟ وهل يقصفون لفترة أطول”؟

عبدالله باعبود: الحوثيون أجروا حسابات بأن ليس هناك أهدافاً قيمة يمكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قصفها، فهذا بلد مدمر أصلاً.. وهكذا فإنهم لن يترددوا في مواصلة اختبار الموقف وتصعيد النزاع

وهناك محلّلون يذهبون إلى حد القول بأن الضربات قد تقوي الحوثيين، وتعزز موقعهم في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران وتجعلهم لاعباً عالمياً. وعلى سبيل المثال، قالت الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط ندوى الدوسري لصحيفة “الغارديان” البريطانية، إن “الحوثيين كان ينتظرون بشدة منذ 20 عاماً الانخراط في مواجهة مع أميركا وإسرائيل”.

إقرأ على موقع 180  حرب أميركية بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا

وتنقل صحيفة “النيويورك تايمز” عن الباحث البارز غير المقيم في معهد كارنيغي للشرق الأوسط عبدالله باعبود أن الحوثيين “أجروا حسابات بأن ليس هناك أهدافاً قيمة يمكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قصفها، فهذا بلد مدمر أصلاً.. وهكذا فإنهم لن يترددوا في مواصلة اختبار الموقف وتصعيد النزاع”.

ونقلت “النيويورك تايمز” في عددها، أمس (السبت)، عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه ثبت أن العثور على أهداف للحوثيين في اليمن “أكثر صعوبة مما كان متوقعاً”.

وتقول الباحثة البارزة في مجموعة “أي آر. كي” البريطانية التي تعمل في مجال التنمية الدولية حنة بورتر: “من غير المرجح إلى حد كبير أن توقف الضربات الأميركية والبريطانية هجمات الحوثيين في البحر الأحمر”. وأضافت أن “الحوثيين مرتاحون جداً للعمل في بيئة حربية.. إنهم أكثر نجاحاً عندما يعملون كجماعة عسكرية من نجاحهم كحكومة”.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، حرصت إدارة جو بايدن على إبراز الدور الذي تقول إنها لعبته في الحؤول دون اتساع حرب غزة إلى جبهات أخرى، ومنها ما تردد عن ضغوط قوية مارسها البيت الأبيض في 11 تشرين الأول/أكتوبر، كي لا تشن إسرائيل هجوماً واسع النطاق على لبنان. أما الآن، فهي تخاطر بنفسها في توسيع الحرب عبر التصعيد في اليمن.

ومن سوريا إلى العراق من قبل، واليوم في اليمن، تنخرط الولايات المتحدة عسكرياً أكثر فأكثر في الواقع المضطرب الناجم عن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.. والظاهر أن “الرسالة” التي أرادت إيصالها إلى الحوثيين أو إلى “الحشد الشعبي” في العراق، لها عنوان آخر.. هو إيران!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  مأزقان روسي وأميركي.. يصنعان تسويةً أم شتاءً نووياً؟