ترامب يخذل أوروبا وزيلينسكي.. المعادن أولاً من أوكرانيا!

العلاج بالصدمات، قد يصح وصفاً للأسلوب غير المألوف الذي يعتمده الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياسته الخارجية لحل الأزمات المستعصية من الشرق الأوسط إلى أوروبا، بما يشكل افتراقاً عن السياسات الأميركية التي سادت لعقود.

في 12 شباط/فبراير الجاري، كسر دونالد ترامب العزلة الديبلوماسية التي فرضها الغرب على روسيا منذ اجتياحها للأراضي الأوكرانية قبل نحو ثلاثة أعوام، من طريق المكالمة الهاتفية المطولة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليناقش معه السبل الآيلة إلى وقف الحرب الروسية-الأوكرانية، ومنها احتمال لقاء مباشر بينهما في السعودية.

المكالمة التي أحيت التواصل الأميركي-الروسي على أعلى مستوى، أتت من دون التشاور مع القادة الأوروبيين، مما أشعرهم بتجاهل ترامب لهم، حالهم حال زعماء الشرق الأوسط الذين لم يستشرهم الرئيس الأميركي مسبقاً قبل اقتراحه تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن.. وتملُك الولايات المتحدة لقطاع غزة!

ذوبان الجليد بين واشنطن وموسكو، بهذه السرعة تردّد صداه في أروقة مؤتمر ميونيخ للأمن، فلم تتوانَ الوفود الأوروبية المشاركة من التحذير من مغبة ترك أوكرانيا وحيدة في مواجهة روسيا، والعودة إلى التذكير أن المفاوضات مع روسيا، يتعين أن تبدأ فقط عندما تكون كييف في موقع القوة. وهذا الخطاب الذي كان صالحاً في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لا يجد مكاناً له مع ترامب.

ما هو سر ويتكوف؟

في العمق، يشعر القادة الأوروبيون بأن تجاهل دورهم في الحل الأوكراني غير منصف نظراً إلى أن دورهم في مساندة كييف لا يقل إن لم يكن يفوق ما قدّمته أميركا وليس العكس. وهذه مؤسسة “كيل” للإقتصاد العالمي، تفيد بأن التزامات الاتحاد الأوروبي حيال أوكرانيا بلغت منذ ثلاثة أعوام 241 مليار يورو، في مقابل 119 مليار يورو قدّمتها الولايات المتحدة.

كما أن ثمة شعوراً أوروبياً بأن ترامب باتصاله ببوتين، قدّم للأخير هدية مجانية ومن دون مقابل. أما الرئيس الأميركي فلا يجاري الأوروبيين في تقويمهم، ويرى أن الديبوماسية المباشرة مع الكرملين، يمكن أن تنتزع تنازلات من موسكو، عجزت الحرب عن انتزاعها. ولذا، أرسل مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إلى العاصمة الروسية، ليعود من هناك مصطحباً معه المُدرّس الأميركي مارك فوجيل الذي كان سجيناً في روسيا. وأثيرت تساؤلات حول اختيار ترامب لويتكوف وليس لمبعوثه الخاص إلى أوكرانيا وروسيا الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ، كي يقوم بهذه المهمة. وساد اعتقاد بأن الأمر قد يكون متعلقاً بالثقة التي يمحضها ترامب لصديقه “قطب العقارات” الذي لعب دوراً أساسياً في اقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقبول بوقف النار في غزة في 19 كانون الثاني/يناير الماضي.

والجدير بالذكر أن ويتكوف كان برفقة ترامب عند محاولة الاغتيال الثانية التي تعرّض لها الأخير في ملعب الغولف بفلوريدا في أيلول/سبتمبر 2024، بعد محاولة أولى في بنسلفانيا في تموز/يوليو من السنة نفسها. وإلى ويتكوف، كلّف ترامب وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، العمل على نسج خطة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية.

يتوافق طلب ترامب الحصول على معادن أوكرانيا، تماماً مع إصراره على شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك بين المحيط الأطلسي والقطب الشمالي، نظراً لغناها بالمعادن والنفط أيضاً. وطريقة التفكير ذاتها تنعكس في طرحه تملك غزة عقارياً وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”

رؤية ترامب.. الأوكرانية!

ما يُشعِر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظرائه الأوروبيين بالقلق ليس مجرد معاودة الاتصالات الأميركية-الروسية، وإنما هناك خشية حقيقية مما بدأ يتسرب من مضامين الرؤية الأميركية للحل. وحمل وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث معه إلى اجتماع مع وزراء الدفاع لحلف شمال الأطلسي “الناتو” في بروكسل، أفكاراً أثقلت بال الشركاء الأوروبيين، عندما اعتبر أنه “من غير الواقعي” في سياق أي تسوية لأخطر نزاع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، أن تعود أوكرانيا إلى حدودها كما كانت قبل عام 2014. وزاد على ذلك، بأن الولايات المتحدة لا تدعم هدف كييف الرامي إلى الإنضمام إلى “الناتو”.

وما بدا اندفاعاً أميركياً حيال بوتين وتجاهلاً لزيلينسكي وللشركاء الأوروبيين، عزّز المخاوف من ذهاب ترامب نحو حل يُلبي الكثير من المطالب الروسية على حساب أوكرانيا. ويطرح الكرملين، بحسب ما كتبت صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية، أن موسكو تريد هدنة مبدئية واتفاقاً أولياً، تتبعه انتخابات في أوكرانيا، ومن ثم يصار إلى تسوية نهائية.

ويعتبر الروس أن زيلينسكي فقد شرعيته بعدم إجرائه الانتخابات الرئاسية في موعدها العام الماضي، بسبب حالة الطوارىء المفروضة في البلاد منذ الاجتياح الروسي. ويرفض زيلينسكي رفع الطوارىء تخوفاً من انعكاسات ذلك على وضع الجيش على الجبهات.

ويستشعر الكرملين أن زيلينسكي، الذي يُعاني تراجعاً في شعبيته، وفق استطلاعات الرأي والمُهدّد بتخلي الولايات المتحدة عنه، يمر في أسوأ أيامه منذ ثلاثة أعوام، بعدما تبدت صورته في بداية الحرب كأنه “تشرشل أوروبا الشرقية”، حسب وسائل إعلام غربية.

إقرأ على موقع 180  غزّة تتحدى الثوّرة.. المضادة (2)

عين ترامب على معادن أوكرانيا!

ولعل وضعية الغموض التي تُحيط بمستقبل زيلينسكي، هي التي حملته على الإعلان عن استعداده للتفاوض مع الجانب الروسي على ألا يشمل ذلك بوتين، بعدما كان يرفض الدخول في أي حوار مع موسكو طالما أن بوتين موجودٌ في السلطة.

واعتمد زيلنيسكي مقاربة تقوم على أن حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية غربية، وأميركية تحديداً، والقبول بها في حلف “الناتو”، هي من الشروط التي يتعين أن تسبق أية تسوية مع روسيا. أما بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن زيلينسكي أضفى مرونة على موقفه وصار أكثر استعداداً للحوار، لعلمه برغبة الرئيس الأميركي القوية بوقف الحرب.

كما أن زيلينسكي بدا قابلاً بالشروط التي اقترحها ترامب للاستمرار في مساعدة كييف، ألا وهي الحصول على المعادن الأوكرانية الثمينة في مقابل ما يقول إنه 500 مليار قدّمها دافعو الضرائب الأميركيين لأوكرانيا في السنوات الثلاث الأخيرة. وفعلاً، زار وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت كييف الأربعاء للبحث في هذه المسألة.

ومعلوم أن أوكرانيا تختزن أكثر من 20 عنصراً أرضياً نادراً، بما في ذلك السيريوم واللانثانوم، وكلاهما حيوي لمجموعة من التقنيات الحديثة من أجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة، إلى المصابيح الكهربائية منخفضة الطاقة. وهي تمتلك أيضاً احتياطيات هائلة من المعادن المهمة بينها التيتانيوم، الذي يُعد عنصراً حاسماً في صناعات الفضاء والدفاع، بينما يشكل الليثيوم، العمود الفقري لبطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية.

ينظر ترامب إلى الحل في أوكرانيا وغزة بطريقة متشابهة مؤمناً بقدرته على الاقناع وفي أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام ذو أهمية تاريخية، وأنه يميل إلى فرض القرارات على الدول الأضعف، بما في ذلك الحلفاء

وتنقل صحيفة “تلغراف” البريطانية عن المُحلّل في أمن الطاقة دان ماركس، أن أوكرانيا غنية أيضاً بمعدن الكوبالت الذي يُعد عنصراً حيوياً في إنتاج المحركات النفّاثة والصواريخ التي يصنعها “الناتو”، في حين يستخدم الليثيوم لتشغيل الطائرات المقاتلة الأميركية من طراز “إف-35”. ويتوافق اهتمام ترامب بتأمين هذه الموارد أيضاً مع رؤيته الأوسع لتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة مع تقليل الاعتماد على التجارة الحرة.

لا حماية أميركية أبدية لأوروبا!

وتتركز ما تُقدّر قيمته بنحو 12 تريليون دولار من المعادن الأرضية النادرة إلى حد كبير في شرق أوكرانيا – وهي المنطقة التي تسيطر على معظمها القوات الروسية. ويخضع نحو 33 في المئة من هذه الموارد لسيطرة موسكو.

ويتوافق طلب ترامب الحصول على معادن أوكرانيا، تماماً مع إصراره على شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك بين المحيط الأطلسي والقطب الشمالي، نظراً لغناها بالمعادن والنفط أيضاً. وطريقة التفكير ذاتها تنعكس في طرحه تملك غزة عقارياً وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.

وهذا من بين الأسباب التي تجعل ترامب يلح في إيجاد وضع حد للحرب الروسية-الأوكرانية، وليس أدل على ذلك من قول نائبه جي.دي فانس لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قبل لقائه زيلينسكي الجمعة على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن: “الرئيس (ترامب) لن يخوض (هذه المعركة) وهو مغمض العينين. سيقول إنّ كلّ شيء مطروح على الطاولة، فلنعقد صفقة”. وأكد أن كلّ الخيارات مطروحة في إطار الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب، بما في ذلك استخدام “الضغط العسكري” على روسيا بما فيه عدم استبعاد ارسال قوات أميركية إلى أوكرانيا.

ينظر ترامب إلى الحل في أوكرانيا وغزة بطريقة متشابهة مؤمناً بقدرته على الاقناع وفي أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام ذو أهمية تاريخية، وأنه يميل إلى فرض القرارات على الدول الأضعف، بما في ذلك الحلفاء.

ومنذ العام 1945 تأسّس الأمن الأوروبي على قاعدة العلاقات عبر ضفتي الأطلسي. فهل يتجه ترامب إلى الذهاب بعيداً في فك أواصر هذه العلاقات إلى حد رفع الحماية عن أوروبا. كان لافتاً للانتباه التذكير الصارخ الذي ورد على لسان هيغسيث في مقر “الناتو” قبل أيام قليلة، بكلام للرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور ومفاده أن أوروبا لن يكون في امكانها الاتكال على الحماية الأميركية إلى الأبد!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  بايدن.. لو أنّه يأخذ بنصيحة كيسنجر لنيكسون!