حسين الشيخ نائباً لمحمود عباس.. مأزق منظمة التحرير يتعمق!

كما كان متوقعاً، اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني، قراراً يقضي باستحداث منصب جديد هو "نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" و"نائب رئيس دولة فلسطين"، وأوكلت مهام المنصبين إلى حسين الشيخ.

يشغل حسين الشيخ (65 سنة) منذ العام 2007، رئاسة الهيئة العامة للشؤون المدنية برتبة وزير ورئيس لجنة التنسيق المدنية العليا (CAC) التي تعدّ صلة الوصل الرسمية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ومثّل عام 2017 نقطة تحول في مسيرة الشيخ السياسية ضمن دوائر السلطة الفلسطينية، اذ اختير أميناً لسرّ اللجنة التنفيذية للمنظمة ورئيساً لدائرة شؤون المفاوضات، ما جعله مقرباً جداً من الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس (أبو مازن).

هذه الخطوة لم تأتِ في سياق اصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية، بل أتت استباقاً لضغوط أميركية وعربية بدأت تتكاثر مؤخراً حول رقاب عباس، منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وزادت حدتها في الأشهر الماضية. عبّاس نفسه كان قد وعد بهذا الأمر في القمة العربية الطارئة التي عقدت في آذار/مارس الماضي، وذلك في خطوة رأى فيها المراقبون، محاولة لترتيب البيت السياسي الفلسطيني تحضيراً لخلافته.

والمفارقة هنا أنّ محمود عبّاس استعمل الأسلوب نفسه الذي استخدمه الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، عندما بدأ يشتدّ الضغط الأميركي عليه غداة عملية “السور الواقي” عام 2002. فكان أن لجأ إلى تعيين عبّاس نائباً له في منظمة التحرير الفلسطينية عام 2003، ليعود ويخلفه بعد أن فارق أبو عمّار الحياة في العام 2004. والمعروف أنّ أبو مازن (90 عاماً)، يواجه أزمات صحية متتالية تصعّب عليه القيام بمهماته هذا إضافةً إلى ترهل وتكلس السلطة الفلسطينية والتي تحولت إلى سلطة إدارية تحت الاحتلال. أما منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت يوماً ما تجسيداً حقيقياً لتطلعات الشعب الفلسطيني، بكافة قواه، فغنيّ عن القول إنها أصبحت جثة سياسية هامدة.

وكما كان موتقعاً، أثار تعيين حسين الشيخ موجة من الانتقادات التي بدأت عقب انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني، إذ سجّل الحاضرون امتعاضاً من عدم شفافية جدول الأعمال والعضوية والنصاب، ما أدّى إلى انسحاب الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين من الاجتماعات في الوقت الذي فضلّت فيه “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”المبادرة الوطنية” مقاطعة الاجتماعات من أساسها. “الجبهة الديموقراطية”، وعلى لسان نائب الأمين العام، ماجدة المصري، نبهّت إلى “خطورة الانزلاق نحو تمرير إجراءات شكلية تفرضها بفظاظة الإملاءات والضغوط الخارجية، بما في ذلك استحداث منصب نائب رئيس للمنظمة”، مؤكدة أنها “إجراءات لا تُعالج أزمة النظام السياسي، بل تُعزز سمته الاستبدادية، وتعمّق مأزقه، وتفكك ما تبقى من تماسك بنيته، وتوسّع الفجوة بينه وبين جماهير الشعب الفلسطيني”.

بدورها، أشارت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، إلى أنّ “عقد دورة المجلس المركزي لا يُمثّل الطريق الأمثل لمواجهة التحديات الراهنة”، معلنةً رفضها المشاركة فيه، باعتباره “خطوة مجتزأة لا يمكن أن تكون بديلاً عن مخرجات جولات الحوار السابقة التي جرى تعطيل تنفيذها.” كما دعت “الجبهة الشعبية” إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية تتبنى استراتيجية شاملة لمواجهة سياسات الضم والتهويد، وتفكيك الجغرافيا الوطنية، والتصدي لمحاولات فرض الكانتونات، ومخططات تصفية قضية اللاجئين، بما في ذلك محاولات حظر منظمة “الأونروا”، وطالبت القيادة الفلسطينية باتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز صمود أهل غزة وإعادة الاعتبار لها كمكون وطني أساسي.

أما حركة “حماس”، وهي خارج إطار المنظمة، فقد اعتبرت القرار “خطوة مستنكرة جاءت استجابة لإملاءات خارجية، وتكريساً لنهج التفرد والإقصاء، بعيداً عن التوافق الوطني والإرادة الشعبية الفلسطينية”. وأضافت أن “هذا القرار يعكس إصرار القيادة المتنفذة في منظمة التحرير على الاستمرار في تعطيل مؤسساتها، بدلاً من أن تكون مظلة جامعة لنضال شعبنا وقواه الحية”. وفي ردود الأفعال أيضاً، فنّد المستشار القانوني للوفد الفلسطيني إلى مفاوضات مدريد، أنيس قاسم، المغالطات والثغرات القانونية، التي شابت عملية تعيين الشيخ، ضمن تصريح صحفي أدلى به لشبكة “قدس الإخبارية” على الشكل التالي:

  • لا شيء في التعيين قانونياً كونه لا ينسجم مع ميثاق منظمة التحرير والقانون الأساسي الفلسطيني.
  • هذه بهلوانية وانحدار واستهتار لا يليق بالشعب الفلسطيني الذي يتلاعب محمود عباس بقراراته.
  • المجلس المركزي لا صلاحية له في تغيير وتعديل الميثاق الوطني، لأن ذلك لا يتم إلا عبر المجلس الوطني.
  • هذا اختيار معيب، من قبل محمود عباس الذي لم يختره الشعب وانتهت ولايته منذ 7 يناير/كانون الثاني 2009.
  • التعيين غير شرعي لأنه تمّ عن طريق رئيس غير شرعي، وبالتالي ما جرى هو عملية احتقار للشعب الفلسطيني.

إذاً، وبدلاً من مواجهة التحديات التي تحدق بالقضية الفلسطينية بعد حرب الإبادة الجماعية، فإنّ السلطة الفلسطينية ماضية في نهجها الاقصائي والإلغائي، غير عابئة بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها هي ومنظمة التحرير الفلسطينية، للتصدي لطروحات طمس القضية وانهائها. وثمة مفارقة هنا أنّ المجلس المركزي الفلسطيني لم يجتمع قط طوال حرب الإبادة الجماعية على غزة (19 شهراً)، فيما قرّر الانعقاد الأسبوع الماضي، لاستحداث منصبين ضمن هيكلية الجسم السياسي الفلسطيني، كان قد فصلّهما أبو مازن، على مقاس حسين الشيخ!

إقرأ على موقع 180  "أنظروا إليه".. ماذا سيقول "السيد" غداً؟

وتأتي هذه التطورات في ظل ازدياد ضغوط الولايات المتحدة وبعض الأطراف الرسمية العربية الفاعلة كمصر والسعودية والامارات، على السلطة لإصلاح مؤسساتها وأجهزتها كي تكون حاضرة لحكم قطاع غزة، ضمن ترتيبات حكم معينة بعد تخلي قيادة حماس عن إدارة شؤون القطاع، غداة انتهاء الحرب، مثلما تشتهي السلطة الفلسطينية، منذ اليوم الأول لبدء الحرب. غير أنّ “السلطة” والتي تريد إعادة اخضاع القطاع إلى “حكمها المحلي”، تنسى أو تتناسى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شدّد في سياق الحرب، على أن لا “حماستان” ولا ” فتحستان” سيُسمح لهما بحكم غزة بعد الآن في إشارة واضحة لرفضه تولي السلطة الفلسطينية لأي دور اداري أو أمني في القطاع في المرحلة المقبلة، وبخاصةً أن عدّة أطراف في حكومته اليمينية المتشددة، لا تُفرّق بين أطياف الشعب الفلسطيني، بل تنظر إلى الفلسطيني كجسم واحد، من الواجب عدم السماح له بالتواجد ككيانية ذاتية مستقلّة، على أرضه.

ختاماً، لا بدّ من القول إنّ التضحيات الجسام التي بذلها ولا يزال يبذلها الشعب الفلسطيني، تستأهل قيادة بديلة عن تلك الموجودة، وتستوجب أيضاً النظر أو اعادة النظر بمجمل الواقع السياسي الفلسطيني وربطه بمهام تحرر وطني- مع ما يستوجب هذا الخيار- من اعداد رؤى وسياسات واستراتيجيات للنضال، توصل الشعب الفلسطيني، إلى انتزاع حريته واستقلاله الوطني من الكيان، بدلاً من الرهان على سلطة تحتاج إلى موافقة أمنية لأعضائها، بحال قررّوا الانتقال من رام الله إلى أي شطر آخر، في الضفة الغربية.

***

من هو حسين الشيخ؟

  • ولد عام ١٩٦٠ في رام الله

  • إعتقل عام ١٩٨٧ من قبل الاحتلال الإسرائيلي
  • أصبح عضواً في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى عام ١٩٨٨
  • عام ١٩٩٣، شارك في تأسيس اللجان السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد توقيع اتفاق أوسلو

  • عام ١٩٩٩، أصبح أميناً عاماً لحركة فتح في الضفة الغربية

  • بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠٢٣، أصبح رئيس لجنة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل

  • بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠٢٥، أصبح رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية

  • عام ٢٠١٦- حتى الآن: عيّن عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح ضمن مؤتمر الحركة السابع

  • عام ٢٠١٧، عيّن عضواً في لجنة الحوار الوطني الفلسطيني في ملف المصالحة

  • ٢٠٢٢: عيّن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيساً لدائرة المفاوضات خلفاً للسياسي الفلسطيني العريق صائب عريقات

  • ٢٣ أبريل/نيسان ٢٠٢٥: استحدث المجلس المركزي الفلسطيني منصب نائب رئيس دولة فلسطين، ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليعين في هذين المركزين.

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  السوداني من "الدفرسوار العراقي".. إلى البيت الأبيض!