«إنها لحظة مفصلية في التاريخ الإسرائيلي». الانقسام المجتمعي حاد، وحديث الصفقات يطرح نفسه في السجالات العامة. ما مغزى العفو المحتمل عن رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»؟ وما تداعياته على الصورة المتخيلة عن الدولة العبرية؟
«إنها لحظة مفصلية في التاريخ الإسرائيلي». الانقسام المجتمعي حاد، وحديث الصفقات يطرح نفسه في السجالات العامة. ما مغزى العفو المحتمل عن رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»؟ وما تداعياته على الصورة المتخيلة عن الدولة العبرية؟
شكّل مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" منذ بدايات ظهوره في أوائل تسعينيات القرن الماضي إطارًا تصوّريًا لإعادة بناء الهيكل السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة، من خلال مقاربات تنطلق من دمج الكيان المؤقّت في محيطه وإعادة تشكيل التحالفات وصياغة نظام إقليمي جديد تتحوّل فيه أدوار القوى المحلية والإقليمية والدولية.
تُبيّن الأحداث المتسارعة في المنطقة، أنّ الطّروحات الفدراليّة الطّابع تتقدّم بجدّيّة، وبشكل ملموس وواقعيّ، وذلك في بلاد الشّام كلّها. والحقّ يُقال: إنّ عدداً من المكوّنات الدّينيّة والمذهبيّة والاثنيّة في سوريا وفي المنطقة، بما فيها مكوّنات تنتمي إلى الطّوائف الاسلاميّة السّنّيّة نفسها، باتت تشعر- أكثر فأكثر- بأنّ هذا النّوع من الأنظمة السّياسيّة والإداريّة هو الوحيد الكفيل بالحفاظ على وجودها وخصوصيّتها من جهة، وعلى الحدّ الأدنى من الوحدة الوطنيّة والجغرافيّة- وربّما القوميّة- ضمن دول ما بعد الحرب العالميّة الأولى هذه، من جهة ثانية.
كانتِ الدعوةُ إلى الحوارِ قِوامَ ثُلُثَيْ كلمةِ البابا "لاوون الرابعَ عَشَرَ" خلال زيارتِهِ لبنان. لم يُعْلنْ ترتيبَ مَنْ يدعُوهمْ. هو ليس مُلْزَماً بذلك. وليس الخِطابُ المُباشِرُ منْ تقاليدِ الباباواتِ ما خلا الخُطَبَ الكَهْنوتِيَّةَ – الدينيَّةَ المَحضةَ. لكنْ ما من خِطابٍ إلَّا وهْو موضوعُ تفكيكٍ وَفقاً لِمُصطلحِ "فوكو". التفكيكُ ضرورةٌ عقلانيَّةٌ وسياسيَّةٌ لاكتشافِ سِياقاتِ المَعنى وسَبْرِ أغوارِهِ. الحِوارُ لازِمةٌ ثابِتةٌ في لغةِ الفاتيكان منذ مرورِ البابا "بولس السادسِ" في مَحَطَّةٍ عابرةٍ، في مطار بيروت قبل ستةِ عقودٍ، إلى "يوحنَّا بولس الثاني"، إلى "بنديكتوس السادس عشر"، إلى "لاوون الرابعَ عشر".
لبنان يدخل مرحلة التفاوض السياسي مع إسرائيل. خطوة كانت متوقّعة بعد بلوغ الضغط الأميركي مرحلة مفصلية، ما أدى إلى "تطيير" زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة. ترافق ذلك مع تصريحات رسمية أميركية تتهم الدولة اللبنانية بالتباطؤ في إتمام مهمّة حصر السلاح وصولاً إلى اتهام المؤسسة العسكرية اللبنانية بالتواطؤ في تغطية ما تقول عنه إسرائيل "محاولة إعادة بناء ترسانة حزب الله العسكرية"!
كتبتْ لي إحدى الصديقات اللبنانيات تقول: اليسار العربي لم "يقع" فجأةً بالسكتة القلبية، بل تآكل ببطء حتى صار ظلًّا لفكرة أكثر منه مشروعًا حيويًا، وأضافت: نشأ اليسار كصوت للتحرّر والمساواة، لكنه انتهى إلى تكرار لغته، حتى فقد المعنى. مشكلته لم تكن بالقمع المزمن فقط، بل في عجزه عن تجديد أدواته ومخاطبة مجتمعات تغيّرت جذريًا من حوله. وهكذا تحوّل من حركة تحريضية إلى مشهد ثقافي هامشي، ومن صوت نقدي إلى حنين سياسي في زمن لم يعد موجودًا.
يشهد العالم اليوم أحد أعقد التحولات في تاريخه الحديث؛ تحوّلٌ تتقاطع فيه القوى القومية مع المؤسسات الدولية، والمصالح الوطنية مع المصالح العابرة للحدود، والسيادة التقليدية مع أنماط جديدة من الحوكمة العالمية. في قلب هذه التحولات، يتصاعد جدل واسع حول دور الأمم المتحدة ومنتدى دافوس في رسم ملامح هذا العالم الجديد، حيث يرى كثيرون أن الصراع لم يعد بين دول وشعوب فحسب، بل بين نموذجين للحكم؛ نموذج السيادة الوطنية، ونموذج الحوكمة الكوكبية الذي يضع الأجندات على نطاق عالمي ويدّعي القدرة على إدارة مصير البشرية بأكملها عبر أدوات اقتصادية وسياسية واجتماعية تتجاوز كل حدود.
لم يكن قرار تسمية السفير اللبناني السابق سيمون كرم لرئاسة الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات لجنة "الميكانيزم" وليد لحظة مفاجئة. إنّه تعبير عن مسار متدحرج منذ وقف النار قبل سنة، حيث كان الأميركيون يُذكّرون السلطة السياسية اللبنانية بوجوب الانتقال من التفاوض العسكري إلى التفاوض السياسي مع إسرائيل.. وصولا إلى تحقيق ما يسميه الأميركيون "فرص السلام" بين الجانبين!
لطالما كان النضال من أجل تحرير فلسطين أسير دوامة من الهيمنة الأطلسية والتشتت الفلسطيني والعربي. وما أظهرته حرب الإبادة في غزة من فجوة هائلة بين إرادة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وقدرتها على التأثير الفعلي في مقابل تحركات نشطة وفعالة للشعوب الغربية في وجه الاحتلال، يفرض إيجاد إستراتيجية جديدة لاستنهاض هذه الشعوب.
يحتاجُ المشرّعُ الإسرائيلي، اليوم، إلى اعدام الأسير الفلسطيني؛ حاجةٌ بات يُعدّها «ضرورة»، إذ لم يعد السجنُ قادرًا على أداء وظيفته التاريخية. لم يعد الزمنُ يتباطأ داخل الزنزانة، ولم يعد المجتمعُ المنظّم يخضع لتلك المعايير البيروقراطية التي تنظّم أعداد الأسرى وتضبطهم. لقد أصبح مطلبا "تبييض السجون"، و"اختراق الحدود"، يُبعدان السجنَ عن غايته الأصلية: شلّ قدرة الفلسطيني على نقش الزمن ومحو أثره وتعليق وجوده؛ وهي الغاية التي شكّلت جوهر المؤسسة السجنية في كل تاريخٍ استعماري. وحين يفقد السجنُ وظيفتَه، يصبح اعدام مكوّنِه الأساسي (السجين) حاجة ملحة عند السجّان.