لمرتين متتاليتين أعلنت الحقائق نفسها مجددًا فى الحرب على غزة، طبيعتها وأطرافها المتورطة فى أبشع الجرائم الإنسانية وأكثرها تنكيلًا بأى معنى سياسى وأخلاقى.
لمرتين متتاليتين أعلنت الحقائق نفسها مجددًا فى الحرب على غزة، طبيعتها وأطرافها المتورطة فى أبشع الجرائم الإنسانية وأكثرها تنكيلًا بأى معنى سياسى وأخلاقى.
من مفارقات التحولات الإجتماعية الكبرى أنها تظهر إلى الوجود بشكل فجائي وكأنها خلقٌ من عدم، إذ تنفجر لأسبابٍ لا تتناسب مع عظم حجمها. فهل يعقل أن حدثاً بوزن الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها أكثر من عشرين مليوناً من البشر وانهارت فيها دولاً وإمبراطوريات يكون مكافئاً لإقدام طالب صربي على اغتيال ولي عهد النمسا! هل اغتيال بعض سفراء جنكيز خان من قبل الدولة الخوارزمية مكافئاً لإجتياح المغول للعالم الإسلامي من شرقه لغربه طوال عقود لاحقة فقدت فيها الأرض قرابة 10% من سكانها أو يزيد!
في تطور بالغ الأهمية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارًا بالقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم إنسانية في سياق الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ ثلاثة عشر شهراً ونيف.
تميّز الأسبوع المنصرم بتصعيد عسكري أمريكي كبير على جبهتين عالميتين، جبهة الشرق الأوسط التي تُمثّل "إسرائيل" أداتها التنفيذية المباشرة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، وجبهة أوكرانيا التي يُمثّل رئيسها فلوديمير زيلينسكي الأداة التنفيذية للحرب الأمريكية الأطلسية ضد روسيا.
أن لا تُصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، هو ما سيكون مستغرباً في ضوء التهم الموجهة إليهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن استخدام التجويع كسلاح حرب "وغيرها من الأفعال غير الإنسانية".
لعل اللامبالاة من أقبح صفات البشر؛ هي حالةٌ يقبع بموجبها المرء في حالة وسيطة بين الخير والشر، بين النور والظلمة. حالة قبيحة من تخدير الضمير أمام المآسي المحيطة، بحيث يعجز فيها الإنسان عن تفعيل إنسانيته، فيحيا كأن لا أهوال حوله، ولا معاناة تستصرخ ضميره، ويشغله (أي ضميره) بطبق لذيذ رائحته تشبه رائحة المحروقين أحياء في خيام قريبة وكأس من نبيذ لونه بلون دماء الأطفال من جيرانه.
يبحث هذا المقال في المكاسب التي حقّقتها المقاومة في هذه المعركة التاريخية مع العدو الصهيوأميركي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى حين كتابته، ويشير إلى العناصر والعوامل الشاقلة والمرجّحة للميزان مستقبلاً، مع إدراكنا أننا ما زلنا في قلب المعركة وأن الاحتمالات ما زالت مفتوحة وأن النتائج والسرديات قيد التشّكل إلى أن تضع الحرب أوزارها.
يختلف المراقبون حول ما ستكون عليه السياسة الأمريكية فى المنطقة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفى ظل الحرب الدائرة من غزة إلى لبنان والحاملة لمخاطر الانزلاق نحو حرب إقليمية.
أجدني، اليوم، وبعد مرور 13 شهراً ونيف على الحرب الإسرائيلية على غزة، معنية بوضع النقاط على الحروف، كمواطنة عربية مؤمنة بحرب الإرادات، وهي حرب مفتوحة ولكنها محكومة بأفق رسمته لنا وللجيل الآتي من بعدنا، دماء الشهداء المقاومين.
"محور المقاومة" قادرٌ على تخطي الصدمات التي يتعرض لها جراء الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل في غزَّة ولبنان، كما فعل طوال السنوات الأخيرة، "لأن قوى المحور عقدُ مترابطة من شبكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية، ولديها قدرة عالية على التكيّف والمرونة". لذلك لن تستطيع إسرائيل أن تهزم هذه القوى؛ خصوصاً حزب الله و"حماس"؛ وستضطر في النهاية للقبول بتسوية سياسية شاملة تأخذ في الاعتبار الطبيعة الحقيقية لديناميكيات قوى المحور في المنطقة، بحسب مجلة "فورين أفيرز" (*).