ترامب لانهاء المواجهة بين “إسرائيل” وإيران.. لمن الزخة الأخيرة؟

اعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن وقف لاطلاق النار بين "اسرائيل " وإيران فجر اليوم (الثلاثاء)، ما فتح باباً عريضاً للاجتهاد في تفسير هذا الاتفاق، وما زاد في اشكالية التفسير هو اغتيال "إسرائيل" لعالم نووي ايراني بغارة جوية على طهران، الأمر الذي أعقبته رشقة صاروخية إيرانية طالت منطقة بئر السبع. وبمعزل عن أي تفسير، فإن "إسرائيل" لا تستطيع أن تلعب بوقف إطلاق النار مع ايران كما تفعل مع لبنان منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

جاء وقف النار بعد أن كانت إيران قد بادرت إلى استهداف قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر، وذلك في موازاة دك عمق الكيان “الإسرائيلي” بصواريخ باليستية من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سارع إلى تلقف الرد الإيراني الذي ـ بحسب وصفه ـ “كان ضعيفاً كما توقعناه إذ لم يُصب أميركي بأذى والأضرار تكاد تكون ضئيلة”. وقال: “أشكر إيران على الانذار المبكر الذي ساهم في تجنب خسائر في الأرواح لعلنا نمضي الآن قدماً نحو السلام والوئام في المنطقة.. وأُشجّع إسرائيل على التصرف بنفس الروح”. بذلك تكون إيران قد أعادت الكرة إلى الملعب الأميركي فتلقفها ترامب وفتح الباب أمام التسوية مجدداً بعد أن كانت الأمور تُنذر بتدهور الأوضاع في المنطقة والتوجه إلى حرب عالمية ثالثة، فتصريح ترامب يُشير إلى قناعته بانتهاء الأمر بالتعادل وبات يدفع باتجاه وقف لاطلاق النار كانت القيادة “الإسرائيلية” تُسرّب عبر أكثر من مصدر أنها باتت جاهزة له.

ويوحي اختيار قاعدة العديد الأميركية في قطر هدفاً بأن الجهات المختصة في إيران قد تأكدت من دور هذه القاعدة في العدوان وإلا لماذا اختارتها من بين باقي القواعد الأميركية في كل دول الخليج بالإضافة إلى تركيا والعراق وسوريا وبعض جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة لإيران. بمعنى آخر، إعتبرت إيران أن ترامب كان يخادع عندما أعلن أن واشنطن لم تستخدم أياً من هذه القواعد في عدوانها على إيران بل إن مقاتلاتها انطلقت من قواعد لها في ولاية ميسوري وتزودت بالوقود عدة مرات في الجو قبل وبعد اغارتها على إيران.

ومع ذلك حرصت القيادة الإيرانية على ارسال رسائل غير مشفرة إلى قطر بأن ضربها قاعدة العديد ليس موجهاً إلى هذه الإمارة الخليجية الصغيرة والصديقة وأنها حريصة كل الحرص على علاقاتها مع هذه “الشقيقة وشعبها”، كما حرصت على ألا يُصاب أي مواطن أو موقع قطري في الهجوم على القاعدة الجوية الأميركية التي تعتبر الأكبر في الشرق الأوسط وضمن نطاق قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، علماً أن واشنطن كانت قد أخلت كل طائراتها الحربية من القاعدة قبل أيام قليلة من الهجوم الأميركي على المفاعلات النووية الإيرانية تماماً كما كانت إيران قد فعلت قبل أيام من هذا الهجوم بنقل كل مخزونها من اليورانيوم المخصب من مفاعل فوردو إلى أماكن أخرى.

تعادل أميركي إيراني

من حيث الشكل، بالامكان القول إن النتيجة باتت متعادلة في الهجومين الأميركي والإيراني، فلا اصابات بشرية فيهما والتدمير يشمل منشآت فقط لا أحد يعرف بدقة مدى الأضرار الذي تسبب بها كلٌ منهما للآخر، وإن كان ترامب قد أعلن هو ووزير دفاعه أنه تم القضاء على البرنامج النووي الإيراني بالكامل، لكن الهجوم “الإسرائيلي” على فوردو، أمس (الإثنين)، أي بعد يوم واحد من الهجوم الأميركي، يُشير إلى أن كلام ترامب غير دقيق وإلا لما احتاجت “إسرائيل” لشن هجوم جوي آخر على الموقع نفسه.

والملفت للنظر أن القصف الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الأميركية حصل أثناء وجود وزير خارجية إيران عباس عراقجي في موسكو لاجراء مباحثات مع القادة الروس وعشية لقائه بالرئيس فلاديمير بوتين شخصياً. وترافق القصف أيضاً مع تصريحات روسية عالية النبرة أبرزها لنائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيديف وقال فيها “إن هناك عدداً من الدول على استعداد لتزويد إيران برؤوس نووية مباشرة”؛ وهذا ما يطرح التساؤل عن الدور الروسي في استعادة إيران المبادرة النارية والرد على الهجوم الأميركي بقوة وخلال وقت قصير نسبياً. فهل لروسيا دور فعلي في الرد الإيراني أم أن إيران حاولت احراج روسيا عبر قيامها بالرد خلال زيارة عراقجي إلى موسكو وهل تم ترتيب سيناريو الرد الإيراني أثناء وجود عراقجي في العاصمة الروسية؟

بانتظار الحصول على أجوبة على هذه الأسئلة وغيرها، فإن الضربة الأميركية لإيران والرد الإيراني السريع عليها فتحا الباب أمام ثلاثة مسارات: إما التمهيد لتبريد الصراع بعد اشتعاله منذ اكثر من عامين، وإما المضي في تصعيد يدفع باتجاه حرب عالمية ثالثة كما قال الرئيس الروسي قبل بضعة أيام، وإما استمرار “ستاتيكو” حرب الاستنزاف الجوية والصاروخية بين إيران و”إسرائيل” إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وقد جاء كلام ترامب عن التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني ليُشكّل هدية غير متوقعة لإيران، فدعوتها للعودة إلى طاولة المفاوضات الآن باتت غير ذي جدوى لأن الهدف الرئيسي للمفاوضات كان البرنامج النووي الذي أعلن ترامب تدميره. السؤال هنا على ماذا ستفاوض إيران الآن وما هي الضمانات بألا يُصار إلى مهاجمتها مرة أخرى خلال عملية المفاوضات كما حصل في 13 يونيو/حزيران الجاري.

أما إذا قرّر ترامب أن يواصل التصعيد ويقصف إيران مجدداً، وهذا الامر مشكوك به، فإن التوجه الإيراني سيركز على ضرب السفن الحربية الأميركية في بحر العرب ومياه الخليج، وهنا تبقى القدرات العسكرية البحرية الإيرانية غير معروفة لجهة مدى تمكنها من تحقيق انجازات في هذا المضمار علما أن المواجهات التي دارت بين حركة أنصار الله اليمنية والقوات الأميركية في هذه المنطقة رجحت الكفة للجانب اليمني، ولكن ذلك ليس كافياً بالنسبة لإيران.

وماذا عن اغلاق مضيقي هرمز وباب المندب؟

إن خطوة من هذا النوع سيكون لها أثر كبير لما لهذا الاغلاق من تأثير على الاقتصاد العالمي كون ما لا يقل عن ربع احتياجات العالم من النفط والغاز يمر عبر مضيق هرمز وحده، ولكن قبل اللجوء إلى هذه الخطوة لا بد لإيران أن تدرس مدى تأثرها هي وحلفائها بها، لأن نفطها وغازها يمر أيضاً عبر هذا المضيق. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فان من العواقب المحتملة لهذه الخطوة يُمكن أن تشكل استفزازاً لدول الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها تنخرط بالحرب ضد إيران.

إقرأ على موقع 180  كورونا تركيا يرقي وزير الداخلية.. "قائداً"!

لذلك، تبقى مرحلة ما بعد الرد الإيراني بعهدة ترامب، لا سيما أن إيران تتجه نحو استئناف قصفها للعمق “الإسرائيلي” في محاولة واضحة لاستنزاف قدرات “إسرائيل” حتى اللحظة الأخيرة ما قبل توقف الحرب، ويصبح السؤال لمن ستكون كبسة الزر الأخيرة إذا تم التفاهم على وقف النار.

روسيا والصين وباكستان

وفي محاولة تلمس أي الخيارات هو الأقرب إلى الواقع، لا بد من قراءة الوضع الجيوسياسي في المنطقة، إذ أن ما بدأ يتكشف مع استمرار العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وتطوره نحو إيران.. كلُ ذلك يشير إلى “الكمين الاستراتيجي” الذي وقعت فيه روسيا في أوكرانيا، فقد مضى على هذه الحرب أكثر من ثلاث سنوات استنزفت الكثير من القدرات العسكرية والاقتصادية لروسيا ولكن وبالرغم من الانجازات العسكرية الكبيرة التي حقّقها الجيش الروسي فيها، فإن هذه الانجازات بقيت في الإطار التكتيكي في ظل خسائر استراتيجية فادحة، إذ قيّدت هذه الحرب قدرة روسيا على التدخل لمنع سقوط حليفها الإستراتيجي نظام آل الأسد في سوريا، وبالتالي بات وجود قواعدها في سوريا محل شك على المدى القريب.

في السياق عينه، لا بد من الإشارة إلى أن النيران التي أشعلتها “إسرائيل” في 13 حزيران/يونيو بحربها على إيران، إنما جعلت الحديقة الخلفية لروسيا مُهددة، وزاد الطين بلة مع انضمام الولايات المتحدة للحرب بعد أقل من عشرة ايام على اندلاعها، فيما ظهر موقف روسيا وكأنها عاجزة عن التدخل لدعم حليفتها إيران التي واجهت خطراً وجودياً على نظامها.

غير أن الرد الإيراني والتصريحات الروسية عالية النبرة تظهر أن روسيا وإن كانت لا تريد للأوضاع أن تشهد المزيد من التدهور والتصعيد فإنها في الوقت نفسه لا تستطيع المقامرة بمصير حليفتها إيران الواقعة على حدودها تماماً وتركها فريسة للأميركي، لأنها بذلك تكون كمن يشد الحبل على خناقه، فهي من جهة تحاول الحفاظ على ماء وجه إيران بدعمها في الرد المحدود على الهجوم الأميركي ومن جهة أخرى تدعوها إلى العودة إلى الخيار الدبلوماسي القائم على المفاوضات.

ومن خلال الموقف الروسي بالامكان استشراف الموقف الصيني غير البعيد عن الأول، فالصين هي الحليفة الثانية الكبيرة لإيران بعد روسيا، وموقفها حتى لحظة وقوع الرد الإيراني كان دون المستوى الذي تحتاجه طهران، إذ اكتفت بكين حتى الآن باصدار بيانات ادانة، علماً أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الصيني شي جين بينغ من دون أن يرشح أي موقف عن هذه المكالمة يتجاوز الإدانة الشفهية للعدوان الأميركي ولكن قد يليها زيارة عاجلة لعراقجي إلى بكين.

ومن المعروف أن موازين القوى بين إيران من جهة وأميركا من جهة ثانية هي بطبيعة الحال لصالح الاخيرة، وإذا كان من المستبعد جداً أن تلجأ أميركا إلى ارسال جنودها لتنفيذ غزو بري لإيران فإن المعادلة العسكرية تقول بأن المقاتلة الحربية لا ترفع علماً على موقع ولكن من المعروف أيضاً أن المقاتلات الحربية الأميركية لديها المقدرة على مواصلة قصف إيران واستنزاف قدراتها لزمن طويل من دون أن يكون لدى الأخيرة المقدرة على الرد بطريقة تتسبب بأذية كبيرة لأميركا التي تبعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن حدودها. لذلك، إن ثبتَ أن الرد الإيراني حظي بدعم معنوي وسياسي من موسكو، فإن ذلك يعني أن روسيا خرجت من موقفها المتردد حيال العدوان الأميركي “الإسرائيلي” على إيران وباتت تتجه أكثر نحو تعزيز قدرات إيران العسكرية، فإيران لا تحتاج جنوداً في هذه الحرب بل هي بأمس الحاجة إلى دفاع جوي فعّال وسلاح جو فعّال بالإضافة إلى بعض الأمور التكنولوجية في قطاع الاتصالات.. وهذا ما يُمكن أن توفره لها روسيا من دون مشقة كما بامكان الصين أن توفره لها عبر روسيا أيضاً.

ومن بعد روسيا والصين، كان لافتاً للانتباه موقف دولة باكستان مالكة السلاح النووي، ولكن هذا الدعم يبقى محدوداً في ظل وجود الهند المالكة أيضاً لسلاح نووي وحليفة “إسرائيل” على حدود باكستان، بما تُشكله من عامل ردع كبير لها ما لم تتأكد باكستان أنها لن تبقى وحيدة في المواجهة مع الهند وربما مع “إسرائيل”.

في الخلاصة، ثمة لعبة عض أصابع إيرانية أميركية إسرائيلية لا بد من رصدها لمعرفة من يقول “آخ” أولاً.. وهذه اللعبة ستتوج إما بحرب أكثر شراسة لا يبدو أن أحداً يرغب بالوصول إليها أو الذهاب نحو تسوية تبدو عناصرها موجودة على الطاولة إذا تعامل الطرفان بجدية أكبر مع هذا الحدث الزلزالي المستمر منذ خريف 2023 حتى يومنا هذا.

Print Friendly, PDF & Email
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  كورونا تركيا يرقي وزير الداخلية.. "قائداً"!