“7 أكتوبر”.. حماقة تاريخية أم مغامرة جريئة؟

هل ارتكبت حماس حماقة قياسية ألحقت وتلحق ضرراً تاريخياً بالقضية الفلسطينية عبر عملية "طوفان الأقصى"؟ هل ثمة من تحكم بالقرار داخل الحركة ودفعها إلى تنفيذ هجوم غير مسبوق في حجمه وقوته وأثره على إسرائيل لتبرير حرب إبادة حقيقية للشعب الفلسطيني ولدفع ما تبقى منه إلى خارج فلسطين التاريخية؟ هل كانت إسرائيل على علم بالهجوم فلم تحبطه لكي تستخدمه من بعد ذريعة في تدمير غزة وختم القضية الفلسطينية بالشمع الأحمر؟ بالمقابل، هل كانت لدى حماس استراتيجية مدروسة مدخلها عملية 7 أكتوبر ومخرجها تغيير المعادلات المتعلقة بغزة والقضية الفلسطينية؟ تلك هي أبرز الاحتمالات التي يتم تداولها في سياق تحليل خلفيات ودوافع عملية "طوفان الأقصى".

إذا كان فعل الحماقة خاضع للنقاش، في ضوء تطورات الحرب، وهي الأطول في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فان الاحتمال الثاني يقع تحت عنوان نظرية المؤامرة وبالتالي لا يصح كفرضية جدية في تفسير استراتيجية حماس في هذه الحرب. يبقى الاحتمال الثالث وهو يتناسب مع معطيات الصراع التي كانت متوفرة قبل الحرب، ومع التفسير الإسرائيلي للعملية بوصفها معركة وجود “إما نحن وإما هم” بحسب ردود فعل قيادة الحرب الإسرائيلية. ويتناسب أيضاً مع رواية حماس الرسمية التي صدرت في 21 يناير/كانون الثاني 2024 وفيها تؤكد أن العملية تمت للحؤول دون “تصفية القضية الفلسطينية”، ولا شيء حتى الآن يوحي بأن لدى الحركة استراتيجية مختلفة عن تلك التي وردت في هذه الرواية.

القضية الفلسطينية قبل “الطوفان”

ثمة اجماع على أن التخطيط لهذه العملية قد استغرق وقتاً طويلاً ولعله استند إلى معطيات ثابتة يمكن حصرها بالخطوط العريضة التالية:

أولاً؛ كانت الطرق المؤدية لحل سياسي للقضية الفلسطينية عبر مشروع الدولتين، مقفلة تماماً منذ سنوات. لقد أقفلت إسرائيل هذه الطرق بدعم أمريكي صريح، وبدا أن الاقفال لا يعوق التطبيع الابراهيمي مع الدول العربية (الامارات والبحرين والسودان والمغرب). كان واضحاً أن التطبيع مع البحرين بصورة خاصة، ما كان يمكن أن يتم لولا الموافقة السعودية الضمنية؛ فالمملكة كان من المرجح أن تسير على هذا الطريق في العام الماضي. والواضح أن تطبيع السعودية مع إسرائيل سيهمش المعترضين ويعزلهم في جامعة الدول العربية أو على الأقل سوف يُضعفُ موقف الجزائر وهي الدولة الأبرز في هذا الاتجاه.

أضف إلى ذلك أن التطبيع يهمش التيار الفلسطيني المقاتل، ويفقده الغطاء العربي، بل يزيد من ارتباطه بالمحور الإيراني، من دون أن يفتح أمامه الأفق الإسلامي الرسمي المندرج في إطار “منظمة المؤتمر الإسلامي” التي تَرسمُ سياساتها تحت السقف الخليجي عموماً والسعودي بصورة خاصة.

من يحتاج إلى براهين إضافية يمكنه العودة إلى المواقف التي اتخذتها “منظمة المؤتمر الإسلامي” خلال حرب غزة المستمرة والتي لم تتجاوز سياسة الجامعة العربية؛ هذه السياسة التي تتبنى موقف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية بزعامة الرئيس محمود عباس. معلوم أن حكومة عباس انتقدت توقيت وأسلوب عملية “طوفان الأقصى” وحَمّلتْ حماس مسؤولية وتداعيات العملية على غزة والشعب الفلسطيني وانتقدت في الوقت نفسه سياسة التدمير والإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية.

التفاهم السعودي الإيراني

ثانياً؛ كان محور الممانعة عشية “الطوفان” يشهد تطورات ملفتة للانتباه أبرزها التقارب والتفاهم السعودي ـ الإيراني، عبر اتفاق تم توقيعه في بكين وبإشراف صيني في مارس/آذار عام 2023 وأدى إلى عودة السفير الإيراني إلى الرياض بعد قطيعة بدأت في العام 2016 وبأثر من هذا التفاهم تم تخفيض التوتر بين السعودية والحوثيين حلفاء ايران.

وفي المحور نفسه، وقّع لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بإشراف أمريكي، وكان من المفترض أن يستكمل هذا الاتفاق عبر مفاوضات غير مباشرة برعاية المبعوث الأمريكي نفسه (عاموس هوكشتاين) لترسيم الحدود البرية، وذلك بموافقة ضمنية من حزب الله أو على الأقل من دون اعتراض علني، بل ذهب رئيس الجمهورية السابق ميشال عون شريك الحزب في اتفاق مار مخايل (6 شباط/فبراير 2006) إلى حد القول في مقابلة مع محطة “المنار” إن مصير العلاقات بين لبنان وإسرائيل بعد ترسيم الحدود البرية، سيكون كمصير العلاقات بين فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث حلّت محل الحروب الماضية علاقات صداقة وتعاون (أول نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 ). ولنا أن نتخيل كيف سيكون الموقف لو رُسِّمتْ الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل لجهة دعم حماس عسكرياً عبر الحدود المُرَسّمة.

في السياق نفسه، يُمكننا الاستناد إلى تصريح شهير (25 يناير/كانون الثاني 2025) لمحمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني السابق للشؤون الاستراتيجية، إذ يؤكد أن اجتماعا إيرانياً أمريكياً كان من المقرر أن يعقد في 9 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 فأطاحه هجوم 7 أكتوبر الحمساوي، وكأنه أراد القول إن حماس قطعت الطريق على مساومة محتملة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الملف النووي الإيراني. ومعلوم أن ظريف كان قد انتقد في وقت سابق سياسة بلاده تجاه حماس بقوله إن “طهران تريد أن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين”. هنا ينبغي التذكير أن إيران اختارت في خضم حرب غزة رئيساً يريد التفاهم مع أمريكا واستبعدت مرشحين راديكاليين يشبهون الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي كان يتوقع زوال إسرائيل في “مدى قريب”.

يفصح ما تقدم عن تطور ملفت للانتباه في محور الممانعة باتجاه التهدئة والابتعاد عن استراتيجية زوال إسرائيل التي كانت شعاراً ثابتاً في خطب فصائل المحور، لكن ذلك كله لم يترك أثراً ملحوظاً في خطب الأمين العام الراحل لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي أكد في أكثر من مناسبة أن الحرب المقبلة مع إسرائيل ستكون على أرض فلسطين التاريخية، ناهيك عن حرص الحزب على التدريب المتواصل لفرقة الرضوان من أجل اجتياح الجليل الأعلى في “الحرب المقبلة”.

الحكومة الإسرائيلية الأكثر تديناً وتطرفاً

ثالثاً؛ في نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 2022 تشكلت الحكومة الأكثر تطرفاً والأكثر تديناً في تاريخ إسرائيل، وبدا من خلال رموزها أنها حكومة حرب في الخارج وانقسام وصراع داخل إسرائيل سرعان ما سينفجر حول صلاحيات المحكمة العليا. تعزز مع هذه الحكومة احتمال الحرب ضد لبنان وربما اجتياح غزة، وستكون أحياء القدس والمسجد الأقصى وبؤر الاستيطان أحد أبرز أهدافها، وسيكون تعدي أنصارها على المسجد الأقصى عنواناً لعملية الطوفان في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كان تشكيل هذه الحكومة يعني بالنسبة لحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، اقفال كل الطرق الممكنة على أي حل للقضية الفلسطينية. وسيكون لديها القدرة والتغطية على الرد بقسوة على المقاومة الفلسطينية في غزة. سوف تبرهن عن ذلك في عملية (الدرع والسهم) في 9 مايو/أيار عام 2023 إذ قتلت قادة بارزين في حركة “الجهاد الإسلامي” خلال أيام قليلة.

 كانت حكومة نتنياهو تبحث عن حرب لأسباب عديدة، من بينها توسيع الاستيطان ودرء الانقسامات الداخلية، حرب مع الفلسطينيين أو حزب الله، وبالتالي من الصعب الرهان معها على هدنة أو على أي أفق آخر غير الحرب.

لقد هدّد رئيسها بنيامين نتنياهو باجتياح غزة مراراً، لكنه اعتمد نهجاً تكتيكياً خلال الشهور الأخيرة التي سبقت هجوم 7 أكتوبر، إذ سمح للقطريين بإرسال أموال لحركة حماس واعتقد أن ترتيبات معينة معها، يمكن أن تعزل حركة “الجهاد الإسلامي” والفصائل الأخرى. وقد برهن لوزرائه على نجاح هذا التكتيك خلال عملية “الدرع والسهم” التي استثنت حماس ولم تبادر الحركة لإطلاق صواريخها على إسرائيل دعما للجهاد الإسلامي التي تحملت منفردة نتائج حرب الأيام الخمسة (أيار/مايو 2023).

كان نتنياهو يروج لفرضية مفادها أن حماس تريد الحكم في غزة وأنها ليست مستعجلة لإشعال حرب مع إسرائيل تقوض سلطتها. ولعل هذا الاعتقاد هو الذي حمله على تخفيف حجم الفرقة العسكرية في “غلاف غزة” التي يقدر عددها بالآلاف في ظروف المجابهة، لكنها لم تتجاوز الـ 700 جندي وضابط خلال هجوم 7 أكتوبر.

وتفيد أنباء أخرى أن الحكومة كانت قد أرسلت مئة جندي من هذه الفرقة إلى الضفة الغربية نظراً لتقديرها أن لا خطر على جبهة غزة وأن لا شيء يستدعي حشداً عسكرياً أكبر.

إقرأ على موقع 180  لماذا تراجع الدور العربي في السياسات الإقليمية والدولية؟

أغلب الظن أن حماس كانت على علم بحسابات نتنياهو وبما يدور في فرقة غزة لذا كان هجومها على الفرقة صاعقاً ومدمراً يشبه بالقياسات المحلية هجوم 6 أكتوبر عام 1973 على الجبهتين المصرية والسورية، ومن غير المستبعد أن يكون اختيار 7 أكتوبر موعداً “للطوفان” بمثابة استعادة محلية لحرب أكتوبر المذكورة.

تعثر “الربيع العربي”

رابعاً؛ في هذا الوقت كان العالم العربي يعاني من مخاض “الربيع” الذي هدّد وحدة بلدانه، بدلاً من تغيير أنظمة الحكم فيها، كما هي حال اليمن وليبيا وسوريا والسودان، وأقفل أبواب التغيير الداخلي من دون صعوبات تذكر في تونس ومصر. معلوم أن البلدان التي حطمها “الربيع” كانت الأقرب إلى تيار المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي وكانت تحتفظ بوزن مهم في جامعة الدول العربية.

كانت ليبيا مصدراً أساسياً من مصادر تمويل التيار الفلسطيني واللبناني المقاوم منذ انقلاب معمر القذافي في العام 1969 وحتى سقوطه في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2011. وانطلقت من سوريا الرصاصات الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي بمبادرة من الضابط السوري أحمد سويداني عام 1965 وقد دفع النظام السوري السابق ثمناً باهظاً لرفضه طرد حماس والمنظمات المقاتلة من سوريا بعد احتلال العراق عام 2003 فضلاً عن احتضانه وتسليحه المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي في صيغتها التعددية الأولى ومن ثم في صيغتها الاسلامية.

وقد تعرض السودان للعزل والتقسيم بعد أن صار قاعدة للأممية الإسلامية وللإخوان المسلمين بزعامة الدكتور الراحل حسن الترابي وأصبح بعد “الربيع العربي” منصة لصراع داخلي مميت على السلطة لم تتم فصوله بعد. ولعل اليمن البلد الوحيد الذي لم تتضرر فيه القضية الفلسطينية جراء الربيع العربي. فقد كانت صنعاء في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح قاعدة لحماس ولمنظمة التحرير الفلسطينية على حد سواء وصارت في معركة “طوفان الأقصى” حليفاً مقاتلاً مع غزة ولبنان.

 كانت حماس جزءا لا يتجزأ من حركة “الربيع العربي” وبالتالي كان عليها ان تتحمل هي الأخرى جزءاً من الفشل الذي أصابه، ولعلها اختارت أهون الشرين إذ أجرت تغييراً جذرياً في قيادة غزة وأبعدت السيد خالد مشعل الأمين العام السابق للحركة ورمزها “الربيعي” الأبرز. اختارت في غزة يحيى السنوار قائداً غزاوياً للحركة (2017 ــــ 2024) ثم رئيساً مركزياً لحماس بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران (31 تموز/يوليو 2024) حتى استشهاده (16 تشرين الأول/أكتوبر 2024). وثبّتت محمد الضيف في موقعه القيادي وبدا أن الحركة تستعد من جهتها أيضا لحرب مع الاحتلال فتعوض فشل رهانها على “الربيع العربي” وتستأنف الارتباط القوي بمحور الممانعة. وقد عبّر السنوار عن استراتيجيته القتالية بتصريح شهير قال فيه “سنجعل نتنياهو يندم على اليوم الذي ولدته فيه أمه”، ويبدو أن هجوم 7 أكتوبر كان تطبيقاً حرفياً لهذا التصريح.

 الحرب الأوكرانية والانتخابات الأمريكية

خامساً؛ على الصعيد الدولي بدا أن أنظار العالم شاخصة على الحرب الأوكرانية التي شغلت الغرب وروسيا وشكلت أولوية لدى القوى الاوروبية والأمريكية. أغلب الظن أن هذه الحرب كانت بالنسبة لحماس فرصة لشن عمل عسكري كبير تنقسم حوله القوى الغربية وتتشتت بين حربين، لكن هذا التقدير إن صحَّ، لم يكن متناسباً مع علاقة حماس الضعيفة بموسكو، ومع حرص روسيا الدائم على أمن إسرائيل. هذا ما يحملني على الاعتقاد بأن حماس ربما كانت ترجح حرباً قصيرة أو متوسطة مع إسرائيل ، تتيح هامشاً للمناورة أمام الروس والصينيين من أجل طلب التهدئة حفاظاً على الاستقرار في الشرق الأوسط ليتبين لاحقاً أن الحركة نفسها فوجئت بحجم وتأثير وخطورة عمليتها العسكرية على الاحتلال.

سادساً؛ من جهتها كانت حكومة نتنياهو الجديدة تراهن على التغيير القادم في الانتخابات الأمريكية، إذ تفصح المؤشرات عن ارتباك ظاهر في أداء الرئيس جو بايدن وضعف ذاكرة لا يتناسب مع شروط الموقع الأول في رأس السلطة الأكبر والأهم في العالم. وكانت استطلاعات الرأي تكشف عن حظوظ مرتفعة لدونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض. وإن عاد سيواصل حتماً سياسته المؤيدة من دون تحفظ لإسرائيل، وبالتالي استئناف المزيد من الاتفاقات الابراهيمية التي تتيح “حلاً” للقضية الفلسطينية عبر التطبيع ومن دون تقديم تنازلات.

تجدر الإشارة إلى أن عهد بايدن لم يشهد مبادرات سلمية أو مساع جدية من أجل تطبيق حل الدولتين، بل بدا وكأنه استمرار لعهد ترامب تجاه القضية الفلسطينية وإن بلغة وشعارات مختلفة وغير مستفزة.

بالمقابل، لم يكن لدى السلطة الفلسطينية ولدى حماس أيضاً ما يمكن الرهان عليه في أمريكا، لا في عهد بايدن (ولا في عهد ترامب المقبل)، مع فارق أن احتمالات المجابهة مع الرئيس القادم أكبر بكثير من سلفه.

الصين وروسيا

سابعاً؛ كانت الصين بالنسبة لحماس طرفاً دولياً يمكن الاعتماد عليه في الصراع مع إسرائيل عموماً وفي الرهان على موقفه المؤيد في حالة الهجوم المباغت على إسرائيل. ذلك أن بكين ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، لذا تهتم بالقضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب الأولى على الصعيد الدولي، أضف إلى ذلك أن مشروع طريق الحرير يمر في الشرق الأوسط والعالم العربي بصورة خاصة، وبالتالي لا بد من دور سياسي صيني مباشر في هذه المنطقة لاحظنا بوادره الأولى في رعاية الاتفاق السعودي الإيراني كما مر معنا من قبل، وستعمد بكين إلى رعاية مصالحة فلسطينية- فلسطينية وصدور اعلان بكين الفلسطيني في شهر تموز/يوليو عام 2024.

ومن المعلوم أن روسيا والصين تعترفان بالدولة الفلسطينية منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1988 وتؤيدان حل الدولتين ومن المستبعد أن تقفا موقفاً مناهضاً لفلسطين في المؤسسات الدولية.

ومن غير المستبعد أن تكون حماس قد ناقشت في أطرها القيادية تقديراً للموقف يشمل المحاور التي وردت أعلاه ولعلها توصلت إلى قناعة بأن محور الممانعة الذي كان يُشدّد على مرأى ومسمع من يرغب على وحدة الساحات، ويتحدث قادته بتصميم غير مسبوق عن حرب، إذا ما اندلعت مع إسرائيل، قد تكون الأخيرة وقد تسقط فيها كل قواعد الاشتباك على كل الجبهات ولا سيما الجبهة اللبنانية التي حققت ردعاً غير مسبوق لإسرائيل منذ العام 2006. بيد أن المحور نفسه كان يشهد تطورات قد تبعده عن جبهات القتال المباشرة في وقت تحتشد فيه مؤشرات خطيرة حول تهميش القضية الفلسطينية عبر الاتفاقات الابراهيمية والاستيطان والتعرض للمسجد الأقصى أحد أهم رموزها.

في ظل هذه الظروف، انطلقت عملية “طوفان الأقصى” ولم تكن قفزة انتحارية في هاوية سحيقة ولم تكن مغامرة غير محسوبة النتائج وهي بالطبع ليست مؤامرة منسقة مع نتنياهو من أجل طي صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد. أما فصولها الدموية فهي دليل آخر على أن المصير الموعود للشعب الفلسطيني هو الإبادة السياسية أو الإبادة الجسدية.

 لعل “طوفان الأقصى” أشبه بـ”دوسة قدم في بيت نمل” تتيح خلط أوراق وموازين قوى وتفصح عن رهانات كانت واقعية سنأتي على ذكرها لاحقاً.

Print Friendly, PDF & Email
فيصل جلول

باحث لبناني في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": التطبيع من دون الفلسطينيين لن يجلب الاستقرار