بين “دفرسوار” زيلينسكي وحروب نتنياهو.. أميركا عاجزة أم متواطئة؟  

يُثبت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنهما الأكثر قدرة على استغلال حالة الشلل في اتخاذ القرار في البيت الأبيض من الآن وحتى 20 كانون الثاني/يناير المقبل. الأول، فتح "دفرسواراً" داخل الأراضي الروسية؛ الثاني، يعمل حثيثاً على دفع الشرق الأوسط إلى حرب شاملة.

ساند الرئيس الأميركي جو بايدن بقوة زيلينسكي ونتنياهو في حربيهما “العالميتين”، ووصل إلى حد اعتبار حربا أوكرانيا وغزة حرباً واحدةً: أنظمة ديموقراطية تقاتل أنظمة استبدادية أو محوراً يمتدُ من غزة إلى بكين مروراً بإيران وروسيا. قال بايدن ذات مرة في خطاب من المكتب البيضاوي، إنه لن يسمح لحركة “حماس” والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانتصار!

بعد ستة أشهر، يغادر بايدن مُكرهاً الحياة السياسية؛ أصلاً لم يكن بوده الانسحاب من السباق الرئاسي، لولا الضغوط القوية التي انهالت عليه من “الكبار” (شخصيات وممولين) في الحزب الديموقراطي. لكن الرئيس الأميركي الذي يشعر بمرارة لا تقل عن مرارة خروج منافسه دونالد ترامب من البيت الأبيض في العام 2020، يُورّث خليفته، سواء الديموقراطية كامالا هاريس أو ترامب، حربين مشتعلتين في أوروبا والشرق الأوسط.

يقول البيت الأبيض إن زيلينسكي لم يُعلم واشنطن بالتوغل البري للجيش الأوكراني في منطقة كورسك منذ أيام واحتلاله أكثر من مائة ميل مربع من الأراضي الروسية. أما القيادة الأوكرانية فتؤكد أن معظم دول العالم متقبلة لسلوك كييف وتتفهم اللجوء إلى تغيير قواعد اللعبة للمرة الأولى منذ بدء الحرب قبل 30 شهراً.

وقبل أيام قليلة فقط من التوغل الأوكراني، تسلّمت كييف الدفعة الأولى من مقاتلات “إف-16” الأميركية الصنع. حدثٌ مرتبطٌ بامتلاك زيلينسكي شجاعة الذهاب خطوة أبعد في تحدي روسيا واختراق أراضيها، وليس فقط قصفها بالأسلحة الغربية.

والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه، هل اكتشفت أوكرانيا بنفسها نقطة الضعف في الدفاعات الروسية في منطقة كورسك، أم تلقت مساعدة من قمر اصطناعي لدولة كبرى، مما يعيد إلى الأذهان المساعدة الاستخباراتية الأميركية التي قُدّمت للجيش الإسرائيلي في حرب 1973، كي يُحقّق اختراقاً نحو الضفة الأخرى لقناة السويس ومحاصرة الجيش الثالث المصري؟

البيت الأبيض نفسه نفى أن يكون نتنياهو قد أبلغه مسبقاً بنيته اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في قلب طهران في 31 تموز/يوليو. هذا الاغتيال وقبله اغتيال القائد العسكري الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر (السيد محسن) بضربة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وضعا الشرق الأوسط أمام أخطر مرحلة منذ تفجر حرب غزة قبل عشرة أشهر.

وعندما هدّدت إيران و”حزب الله” بالرد، سارع بايدن إلى إرسال أكبر تعزيزات عسكرية أميركية إلى المنطقة منذ حرب العراق عام 2003، لحماية إسرائيل على نطاق أوسع من الحماية التي قدّمها لها ليلة 13ـ 14 نيسان/أبريل، عندما أطلقت طهران عشرات المسيّرات والصواريخ رداً على تدمير قنصليتها في دمشق ومقتل القائد البارز في الحرس الثوري الجنرال محمد رضا زاهدي.

هذا التلاعُب المكشوف من نتنياهو ببايدن، شجّع صديقه زيلينسكي أيضاً على تجاهل رأي أميركا عندما أقدم على قرار بمستوى التوغل داخل الأراضي الروسية.. وهذا حدث غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. كما أن زيلينسكي نقل المعركة مع روسيا إلى قلب أفريقيا، من خلال مطاردة النفوذ الروسي في مالي والسودان

ولعل خطورة الحشد العسكري الأميركي في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر حالياً، أنها قد تُشجّع نتنياهو على تسلق الشجرة إلى أعلاها والمبادرة إلى توجيه ضربة استباقية لإيران أو حزب الله، طالما أن الجيش الأميركي مستعد لحماية إسرائيل من أي رد سواء من إيران أو حزب الله!

ورسائل التحذير التي بعثت بها واشنطن لطهران من مغبة تعريض الاقتصاد الإيراني لمزيد من المتاعب في حال وجّهت ضربة قاسية لإسرائيل، تُوحي بأن أميركا نفسها قد تُشارك في قصف إيران للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما أعطى الرئيس الأميركي رونالد ريغان الأمر بقصف قواعد بحرية للحرس الثوري الإيراني. وهكذا يرفع بايدن سقف التحدي أمام إيران، إلى درجة تجعلها تُفكّر مرتين في نوعية الرد الذي ستختاره في نهاية المطاف.

ومن يضمن ألا ينتهز نتنياهو حالة عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة، من أجل شن ضربة استباقية، وهو موقن بأن بايدن لن يجد مفراً من الدفاع عنه وإلا سيكون ثمة شك في “صهيونيته”.

آخر المحاولات الواهية التي لجأ إليها بايدن هي تحديد 15 آب/أغسطس موعداً لاستئناف المفاوضات حول وقف النار في غزة والمضي في صفقة تبادل الأسرى، وتالياً خفض التوترات الإقليمية. ووقف الحرب في غزة يُحقّق هدفاً رئيسياً لإيران و”جبهات الإسناد” الأخرى من لبنان إلى اليمن. وفي هذا السياق، كشف مراسل موقع “والا” الإسرائيلي باراك رافيد أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومدير المخابرات المركزية (CIA) ويليام بيرنز ومبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط بريت ماكغورك سيزورون هذا الأسبوع المنطقة لدفع صفقة التبادل، على أن يتولى الأخير معالجة ملف معبر فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل.

إقرأ على موقع 180  إيران من التلغراف إلى تويتر.. سلاح التواصل الذي لا بد منه!

لكن برغم “الاعلان الثلاثي” والتهافت الأميركي على المنطقة، من يضمن أن نتنياهو سيوافق على وقف النار هذه المرة، بعدما تلاعب بالرئيس الأميركي وبكل موفديه مراراً منذ عشرة أشهر حتى الآن؟ وما هو المعطى الجديد الذي يجعل واشنطن واثقة بأن هناك فرصة أخيرة للديبلوماسية يتعين استغلالها قبل الانفجار الشامل؟

لا شيء يؤكد بأن نتنياهو لن يفرض شروطاً جديدة هذه المرة على طاولة المفاوضات أو يقوم بعمل عسكري يجعل حركة “حماس” لا تقبل بالتفاوض. وخير دليل أنه بعد يومين من الاقتراح الأميركي القطري المصري، أقدمت إسرائيل على ارتكاب مجزرة مدرسة التابعين في مدينة غزة التي ذهب ضحيتها أكثر من مائة شهيد ومئات الجرحى.

بزشكيان وشويغو

هذا التلاعُب المكشوف من نتنياهو ببايدن، شجّع صديقه الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً على تجاهل رأي أميركا عندما أقدم على قرار بمستوى التوغل داخل الأراضي الروسية.. وهذا حدث غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. كما أن زيلينسكي نقل المعركة مع روسيا إلى قلب أفريقيا، من خلال مطاردة النفوذ الروسي في مالي والسودان.

هذا التوغل الأوكراني جاء غداة زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لطهران لمناقشة تزويد إيران لروسيا بصواريخ أرض-أرض، حسب الصحف الأميركية، وهو الأمر الذي سارعت طهران إلى نفيه، بينما كانت صحف أميركية أخرى تضع الزيارة في خانة طلب طهران من موسكو الحصول على أنظمة دفاع جوي متطورة تحسباً لحرب محتملة، غير أن الجانبين لم يكن التصعيد في الشرق الأوسط في رأس جدول أعمال مباحثاتهما، بينما يُطالب الروس بخفض التوترات في الشرق الأوسط، وتبقى الحرب مع أوكرانيا شغلهم الشاغل حتى إشعار آخر.

وتوثيق العلاقات العسكرية بروسيا، قد يكون من بين خيارات الرد الإيراني على الحشود الأميركية وعلى التصعيد الإسرائيلي. وأحياناً يأتي الرد السياسي أبلغ من الرد العسكري، كما حصل مع اختيار حركة “حماس” لأحد أبرز رموزها في غزة يحيي السنوار، خلفاً لإسماعيل هنية في رئاسة المكتب السياسي للحركة.

ويبقى أن مجمل التطورات في الشرق الأوسط أو في أوكرانيا أو في أفريقيا، توحي بأن أميركا التي حتى رئيسها جو بايدن لا يثق بأنها مقبلة على انتقال سلس للسلطة بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لم تعد مرجعية صالحة لإدارة العالم أو لفرض حلول لأزمات مشتعلة مثل تلك التي تُخيم على منطقتنا، بعكس ما كان يحصل منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، حيث كانت كلمتها هي الأعلى في معظم القضايا الدولية والإقليمية.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  موت مبارك.. خروج آمن أخير