

وبطبيعة الحال، انسحب هذا التأجيل على اجتماع الترويكا الأوروبية التي كانت قرّرت قبول الدعوة الإيرانية لاجتماع يُعقد يوم الجمعة الماضي، أي قبل 24 ساعة من الجولة الرابعة لكن الاجتماع علی أهميته تأجل أيضاً في ضوء تأجيل الجولة الرابعة في الأسبوع الماضي.
الوسيط العُماني قال إن الأسباب “لوجستية”. الجانب الإيراني ندّد بوجبتين من العقوبات الأمريكية ضد شركات إيرانية وأخری متعاونة مع إيران لتصدير النفط الإيراني، وهي العقوبات الأولى من نوعها منذ بدء المفاوضات في 19 نيسان/أبريل الفائت، وهذا ما أزعج طهران.
وقال موقع “نور نيوز”، تعليقاً على العقوبات والتهديدات الأمريكية المتزامنة: لعل السؤال الأساس هل تتماشى مثل هذه التصريحات والإجراءات مع مبادئ التفاوض الأساسية والاحترام المتبادل؟ وهل يُمكن أن تقود إلى اتفاق متوازن مع طرف لا يسعى إلا لزيادة الضغط وانتزاع المكاسب؟ ويُضيف محذراً من أن استمرار هذا النهج العدائي من قبل المسؤولين الأمريكيين “لا يُسهم في حلحلة أزمات المنطقة، بل يدفع المفاوضات نحو طريق مسدود”.
أما الجانب الأمريكي فقد قال إنه لم يعطِ موافقته علی موعد الثالث من أيار/مايو لعقد الجولة الرابعة من المفاوضات؛ لكن مصادر متابعة أشارت إلى أن التأجيل “جاء بطلب من واشنطن لأسباب متعددة بينها التغييرات التي شهدتها الإدارة الأمريكية مؤخراً ولا سيما قرار اقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز وتعيين وزير الخارجية ماركو روبيو مستشاراً للأمن القومي بالوكالة، إضافة إلیٍ ذلك أن الإدارة الجمهورية تُريد ممارسة المزيد من الضغط علی المفاوض الإيراني لأن العديد من المصادر تحدثت عن أهمية جولة المفاوضات الرابعة في ضوء ما تمت مناقشته من مواضيع حتى الآن تتعلق بطبيعة البرنامج النووي الإيراني.
وإذا كانت خطوة التأجيل حملت في طيّاتها مؤشرات سلبية لجهة جدية الجانب الأمريكي في المفاوضات؛ إلا أنها كانت مفيدة كفسحة زمنية يحتاجها الجانبان قبيل الدخول “في الجولة الرابعة والحاسمة”، كما وصفتها المصادر، خصوصاً أن هذه الجولة ستعقد قبيل موعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة بأقل من 48 ساعة، وهي الزيارة التي سيتخللها الاجتماع الأول من نوعه بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرياض حيث يحرص الرئيس ترامب على وضع “الحل الإيراني” علی طاولة اجتماعه بنظيره الروسي إضافة إلی حل المسألة الأوكرانية وقضية الحرب في غزة.
الفائدة المتوخاة من الفسحة الزمنية التي أشرت إليها عبر تأجيل الجولة الرابعة، ربما كان يحتاجها الطرفان؛ سواء لناحية بلورة الموقف الأمريكي حتى يكون المفاوض الإيراني علی بينة من أمره وبالتالي يُحدّد كيف يتصرف؟ وأيضاً من جهة المفاوض الأمريكي الذي يُريد أن يعرف ماذا يريد الإيراني أجهزة طرد ونسبة تخصيب وكميات مُخصبة إضافة إلی “قضية القضايا”، وهي إزالة العقوبات التي يخوض الإيراني من أجلها هذه المفاوضات
وعلى مسافة أيام قليلة من وصوله إلى المنطقة كان لافتاً للانتباه إعلان ترامب أمس (الثلاثاء) أنه قرّر وقف الهجمات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن الشمالي في ضوء إلتزام أنصار الله بالتوقف عن قصف السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وذلك في ضوء وساطة أطلقتها سلطنة عُمان وساهمت بها إيران قبيل توجه ترامب إلى المنطقة.
وقال ترامب إن لديه إعلاناً كبيراً للغاية قبيل زيارته إلى الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي فتح شهية المراقبين والمحللين لإطلاق فرضيات عديدة بينها فرضية التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران.
وفيما أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان محادثات هاتفية أمس (الثلاثاء) مع الرئيس الروسي تتعلق بآخر مستجدات المحادثات الأمريكية الإيرانية، حسب بيان للكرملين، ثمة اعتقاد أن ترامب لا يُريد أن يجلس علی طاولة المفاوضات مع بوتين خالي الوفاض بل يُريد أن تكون المئة يوم الأولی من ولايته الثانية تحمل انجازات مهمة خصوصاً في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.
وحسب عدد من المحللين، تُعتبر إقالة مايك والتز من موقعه كمستشار للأمن القومي في البيت الأبيض ضربة للمتشددين في الإدارة الأمريكية الجديدة، ذلك أن والتز كان من موقعه يدعم الخيار العسكري مع إيران، وبالتالي ستساعد خطوة إقالته المفاوض الأمريكي للتحرك بحرية أكبر لما لمستشارية الأمن القومي من تأثير كبير علی مثل هذه الملفات.
أما وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي حلّ مؤقتاً محل والتز، فلن تكون له مساهمات حاسمة في الملف الإيراني الذي عهد به ترامب إلى مستشاره ستيف ويتكوف، وهذا يعني أن روبيو سيكون مُخيّراً بين أن يتناغم مع تصورات ترامب أو أن يُقدّم استقالته تفادياً لقرار اقالته كما فعل ترامب في ولايته الأولى مع ريكس تيلرسون الذي عيّن محله مايك بومبيو.
هذه الأجواء التي يكتنفها “الغموض الإيجابي” لا تمنع من القول إن المفاوضات كانت وما تزال تواجه ثلاثة تحديات مؤثرة وقوية هي الآتية:
الأول؛ تحدي الاصطفاف داخل الادارة الأمريكية بين من يؤيد الخيار السياسي الدبلوماسي الذي يُمثله مبعوث الرئيس ترامب للشرق الاوسط ستيف ويتكوف ونائب الرئيس مقابل مستشار الأمن القومي المُقال مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيغسيث المؤيدين للخيار العسكري؛ حيث يميل الرئيس ترامب للفريق الاول.
الثاني؛ التحدي الذي تُمثّله “إسرائيل” الرافضة للمفاوضات مهما كانت نتائجها وهي لا تقبل بأقل من تفكيك البرنامج النووي الإيراني على الطريقة الليبية، وبالتالي تدفع باتجاه الخيار العسكري بدلاً من خيار المفاوضات. هذا الكيان له من يدعمه ويناصره داخل الولايات المتحدة وأهمهم اللوبي اليهودي “إيباك” الذي يمتلك نفوذاً كبيراً جداً داخل مؤسسات القرار في الولايات المتحدة.
الثالث؛ تحدي الفريق الأصولي المعارض للمفاوضات مع الولايات المتحدة في الداخل الإيراني من زاوية أن هذه المفاوضات “مضيعة للوقت” و”لا تهدف سوی للقضاء علی النظام السياسي في إيران”.
محركات هذه التحديات بدأت بالعمل بقوة خصوصاً داخل الولايات المتحدة من أجل وقف المفاوضات واللجوء للخيار العسكري تلبية لرؤية “إسرائيل” و”الإيباك”. هذا اللوبي يُروّج إلی أن الإدارة الأمريكية لديها “PLAN A” وهو الخيار العسكري الذي سوف تستخدمه بعد اشغال الإيرانيين بـ”PLAN B”.
هنا ثمة ملاحظة أن الفائدة المتوخاة من الفسحة الزمنية التي أشرت إليها عبر تأجيل الجولة الرابعة، ربما كان يحتاجها الطرفان؛ سواء لناحية بلورة الموقف الأمريكي حتى يكون المفاوض الإيراني علی بينة من أمره وبالتالي يُحدّد كيف يتصرف؟ وأيضاً من جهة المفاوض الأمريكي الذي يُريد أن يعرف ماذا يريد الإيراني أجهزة طرد ونسبة تخصيب وكميات مخصبة إضافة إلی “قضية القضايا” وهي إزالة العقوبات التي يخوض الإيراني من أجلها هذه المفاوضات.
الاعتقاد السائد أن المفاوضات يُديرها مساران. الأول، مبعوث الرئيس ترامب للشرق الاوسط ستيف ويتكوف في صالة المفاوضات؛ في حين يقود المسار الثاني رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وهذا ما خطّط له من قبل ترامب للوصول إلی نتائج علی مقاساته.
أما الجانب الإيراني فإنه ربط أي خطوة أو اتفاق دائم أو مرحلي بالعقوبات بسياسة “الخطوة خطوة” لأن القيادة الإيرانية التي وافقت علی دخول هذه المفاوضات كانت تهدف بالأساس لإزالة العقوبات وليس أي أمر آخر، أي تحقيق الهدف الاستراتيجي للمفاوضات.
وفي نهاية المطاف فإن الجانبين يُدركان أن التوصل لاتفاق يعني دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.. والعكس صحيح.