ترامب ينقل كرة النار من غزة.. إلى مصر والأردن

يتمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باقتراحه القاضي بترحيل 1,5 مليون فلسطيني من غزة إلى مصر والأردن، وهو اقتراحٌ يحمل في طياته تصوراً مفزعاً لخريطة الشرق الأوسط، ديموغرافياً وجغرافياً، وإحياءً لفكرة الوطن البديل، التي راجت عقب حرب 1967.

يؤمن دونالد ترامب بالسلام المبني على القوة، في تطابق مع ما يدعو إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من سلام قائم على “الردع” فقط وليس ذاك القائم على العدل والإقرار بالحقوق الوطنية للشعوب. والرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض “لجعل أميركا أمة عظيمة مرة أخرى” بأفكار توسعية، لن يكون في وسعه لجم خطط نتنياهو للبقاء في غزة والضفة الغربية وجبل الشيخ والمنطقة العازلة في الجولان، وربما في بعض النقاط من جنوب لبنان.

يتحدث ترامب عن ترحيل 1.5 فلسطيني من غزة بلهجة واثقة من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني “سيفعلان ذلك (أي سيقبلان باقتراح الترحيل).. نحن نفعل كثيراً من أجلهما”، في اشارة إلى المساعدات التي تُقدّمها الولايات المتحدة للبلدين. وكان استثناء مصر إلى جانب إسرائيل من تجميد البيت الأبيض المساعدات الخارجية في وقت سابق من الأسبوع، إجراء له ما بعده.

صحيحٌ أن السيسي قال إن “تهجير الفلسطينيين ظلمٌ لا يمكن أن نشارك فيه”، بينما دعا عبدالله الثاني إلى “تثبيت الفلسطينيين في أرضهم”. لكن السؤال إلى أي مدى يمكن لمصر والأردن أو أية دولة عربية أخرى، أن تخوض مواجهة مع ترامب، الذي يظهر أنه جدي في طرحه، ومن غير المستبعد أن يجعله اقتراحاً رسمياً ضمن أية خطة للسلام في الشرق الأوسط.

الضغط على الأردن

في عام 2019، رفض الأردن “صفقة القرن” التي وضعها ترامب ونصّت على اعادة توطين مئات آلاف الفلسطينيين على أراضيه في مقابل مليارات الدولارات تدفع على مدى سنوات. لكن ظروف 2019 تغيّرت وإسرائيل لديها اليد الطولى عسكرياً، بينما حل الدولتين صار بعيداً لا بل أبعد من أي يوم مضى.

ويعرف ترامب أن الأردن لا طاقة له على استيعاب المزيد من اللاجئين الفلسطينيين، لأن من شأن ذلك إحداث خلل كبير في تركيبته السكانية، بينما هو أصلاً يُعاني لتوفير احتياجات مليون لاجىء سوري وعراقي.

في عام 2022، وقّع الأردن على اتفاق مع الولايات المتحدة للحصول على مساعدات اقتصادية أميركية بمقدار عشرة مليارات دولار على مدة عشرة أعوام. ذاك الاتفاق، أنقذ المملكة الهاشمية من أزمة اقتصادية حادة عامذاك. ويضع القرار الأميركي بتجميد المساعدات الخارجية، الاتفاق المذكور على المحك ويُضاعف من الضغوط على الأردن.

ربيع إخواني جديد

تواجه مصر وضعاً اقتصادياً متأزماً ينعكس نقصاً في الاحتياط من العملات الأجنبية وتدهوراً في سعر الجنيه. وأي خلل في العلاقات مع الولايات المتحدة، من شأنه أن يُهدّد المساعدات التي تحصل عليها الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وعلى رغم سعي مصر في الأعوام الأخيرة إلى تنويع مشتريات السلاح والذخائر من دول مثل روسيا وفرنسا، فإن الاعتماد الأساسي في هذا المجال يبقى على الولايات المتحدة.

أتى اقتراح ترحيل سكان غزة إلى مصر والأردن، في ظل التغيير الكبير الذي حصل في سوريا، بعد سقوط بشار الأسد وقيام نظام جديد منبثق من الفصائل الإسلامية، ما أعاد بعث المخاوف مجدداً من “ربيع إخواني” في المنطقة. وفي وقت انفتح الأردن بحذر على الحكام الجدد في سوريا بقيادة أحمد الشرع، الذي يحظى بدعم قوي من تركيا وقطر، فإن مصر تلتزم موقفاً أكثر حذراً، واقتصر التواصل مع دمشق حتى الآن، على اتصال تهنئة من الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري أحمد الشرع ومكالمة سابقة بين وزيري خارجية البلدين.

يُشكّل اجتماع ترامب ونتنياهو في واشنطن في مطلع الأسبوع الحالي، محطة حاسمة على صعيد معرفة اتجاهات سياسة ترامب حول مستقبل وقف النار في غزة بمراحله الثلاث ووقف النار في لبنان، وتوسيع اتفاقات ابراهام لتشمل السعودية إلى الملف السوري بكل تعقيداته والصراع الإقليمي الدائر بين تركيا وإسرائيل على اقتسام النفوذ هناك، وصولاً إلى الملف النووي الإيراني

وتخشى مصر أن ينعكس الزخم الذي اكتسبه النفوذ التركي في المنطقة، على ليبيا التي تحظى فيها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بدعم أنقرة، فيما تدعم القاهرة مناطق الشرق الليبي، التي يسيطر عليها المشير خليفة حفتر.

بالنسبة لمصر والأردن، تُشكل عملية إعادة توطين سكان غزة في البلدين، تحدياً أمنياً واقتصادياً وسياسياً كبيراً، ونقضاً لكل التعهدات بدعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. ذلك، أن خروج الفلسطينيين من القطاع، سواء بالترهيب أو الترغيب، يعني أن عودتهم ستكون مستحيلة، وهم أساساً أحفاد الفلسطينيين الذين خرجوا من ديارهم في نكبة 1948.

ما هي كلفة الرفض؟

يستخدم ترامب، التعرفات الجمركية والمساعدات والعقوبات سلاحاً يُهدّد به دول العالم التي ترفض تلبية طلباته. وهو يتشجع بمثال كولومبيا التي تراجعت عن قرارها بعدم استقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين يُرحّلهم ترامب من الولايات المتحدة، وذلك بعدما هدّد بفرض رسوم جمركية طارئة على الواردات الكولومبية بنسبة 25 في المئة. وحتى روسيا يُهدّدها ترامب بعقوبات وبزيادة الرسوم على الواردات الروسية، إنْ رفض الرئيس فلاديمير بوتين وقف الحرب مع أوكرانيا.

إقرأ على موقع 180  توماس فريدمان: حتى تتعافى أميركا.. لا بد من بايدن

ماذا لو تمسكت مصر والأردن برفضهما استقبال سكان غزة؟

إذا كان أمر الترحيل لا يقتصر فقط على موافقة مصر والأردن، وإنما على الفلسطينيين أنفسهم، الذين يرفضون حتى الآن فكرة اقتلاعهم من أرضهم، برغم الثمن الباهظ الذي دفعوه في غزة من أرواحهم وممتلكاتهم على مدى 15 شهراً، فإن إسرائيل تواصل بدعم أميركي، جعل الحياة مستحيلة بالنسبة لهم في القطاع. ويصب قرار حظر عمل وكالة “الأونروا” في خدمة اقتراح نقل سكان غزة، الذي لا شيء يمنع توسعه لاحقاً ليشمل الضفة الغربية.

ويصف الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان اقتراح ترامب، بأنه “سيثير قلقاً عميقاً في مصر والأردن ولدى شركائهما في الخليج، ولدى الحكومات الأوروبية التي لها مصلحة باستقرار مصر والأردن، علاوة إلى المشاعر المتعلقة بحقوق الفلسطينيين”.

انقلاب ترامب

فرضت حرب غزة مشكلة ملحة على صعيد السياسة الخارجية لترامب، في وقت كان يفترض أن حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ليس بالضرورة من مسؤولية الولايات المتحدة. ومؤخراً قال ترامب :”هذه حربهم وليست حربنا”.

ويشكل اقتراح الترحيل تناقضاً تاماً مع كانت تقترحه إدارة جو بايدن السابقة من خطة لـ”اليوم التالي” للحرب، من انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة وقيام هيكلية حكم جديدة بقيادة السلطة الفلسطينية (بعد إصلاحها) ومد نفوذها إلى غزة، على أن تساعدها قوة أمنية عربية تتمتع بمشورة الأميركيين الذين لن ينشروا قوات في القطاع. على أن يكون ذلك بمثابة تمهيد لعملية اعادة الإعمار وانطلاق عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن “اقتراح ترامب ترحيل الفلسطينيين عن غزة، تحت ذريعة إعادة بنائه سيشكل انقلاباً على تلك العملية السياسية المصممة بعناية، بينما يجعل الغموض يحيط بما إذا كان الفلسطينيون سيكونون قادرين بعد ذلك على إقامة دولتهم”.

وكان مستغرباً، أن السناتور الجمهوري المقرب من ترامب ليندسي غراهام، اعتبر أن “فكرة أن كل الفلسطينيين سيرحلون وينتقلون إلى مكان آخر، ليست عملية”.

بدوره، لفت المفاوض الأميركي السابق في عملية التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية فرانك لفينشتاين، الانتباه إلى أن التشجيع على الهجرة الطوعية للمدنيين من غزة، “كانت دائماً الحلم المفضل لمعظم المتطرفين المسيحانيين في إسرائيل”. وفي طليعة هؤلاء وزير الأمن القومي السابق إيتامار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريتش.

ويُشكّل اجتماع ترامب ونتنياهو في واشنطن في مطلع الأسبوع الحالي، محطة حاسمة على صعيد معرفة اتجاهات سياسة ترامب حول مستقبل وقف النار في غزة بمراحله الثلاث ووقف النار في لبنان، وتوسيع اتفاقات ابراهام لتشمل السعودية إلى الملف السوري بكل تعقيداته والصراع الإقليمي الدائر بين تركيا وإسرائيل على اقتسام النفوذ هناك، وصولاً إلى الملف النووي الإيراني.

الملف الإيراني

وثمة توقعات أن نتنياهو سيحاول دفع ترامب لتبني سياسة الحد الأقصى نحو إيران والعمل على تغيير النظام هناك، بينما يبدو الرئيس الأميركي غير متحمس لهذا الرأي ولا يزال يفضل التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، لكبح برنامجها النووي والصاروخي وتقييد نشاطها الإقليمي، مستتفيداً من حال الضعف التي أضحت عليها إيران بعد الضربات القوية التي تلقاها حلفاؤها في المنطقة وخسارتها لسوريا، والتأزم الاقتصادي المستفحل واقتراب موعد انتهاء صلاحية الاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015.

وكان لافتاً للانتباه أن ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض، سارع إلى طرد بريان هوك، الذي كان يُصنّف في خانة “الصقور المتشددين” ومبعوثه للشؤون الإيرانية في ولايته الأولى.

في هذا الصدد، تقول مجلة “الإيكونوميست” البريطانية “إن كثيرين من الذين عيّنهم ترامب في إدارته يعارضون تورطاً في الشرق الأوسط. ومثلاً يريد مدير السياسات في وزارة الدفاع إلبريدج كولبي، التركيز على آسيا”. وتحدثت المجلة عن احتمال تكليف مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بالملف الإيراني.

ومع ذلك، يصعب في الإجمال التكهن بالقرارات التي قد يُقدم عليها ترامب، سواء في معركته لإعادة صياغة أميركا من الداخل أو لحماية مصالحها في الخارج. الأكيد أنه سيجد نفسه في مواجهة اعتراضات واسعة على سياساته تبدأ من داخل الولايات المتحدة والقارة الأميركية مروراً بأوروبا والشرق الأوسط ودول “الناتو” وصولاً إلى أقاصي الشرق..

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  رحيل بهاء طاهر.. الروائي بشخصيات عديدة