بايدن وأولوياته الشرق أوسطية: لبنان ليس على لائحته!
US Vice President Joe Biden reviews an honour guard with Lebanese Prime Minister Fuad Siniora (L) at the governmental palace in Beirut on May 22, 2009. Biden said that Washington will determine its aid to Lebanon based on the outcome of a tightly contested legislative election that the Islamist group Hezbollah could win. AFP PHOTO/JOSEPH BARRAK (Photo credit should read JOSEPH BARRAK/AFP via Getty Images)

نامت السياسة في لبنان في سبات عميق. الكل ينتظر مبادرة تأتي من الخارج، بعدما بات الداخل عبارة عن خطوط تماس سياسية مكشوفة. هل في رهان اللبنانيين على الخارج ما يستوجب المزيد من الإهتراء السياسي والإقتصادي والمالي؟

في السادس عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وجّه وزيرا خارجية فرنسا جان إيف لودريان، وألمانيا هيكو ماس، رسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس تقصدا ان يعبّرا في مطلعها عن ضرورة صياغة اتفاق شراكة جديد، بين الولايات المتحدة وأوروبا، يراعي القيم والمصالح المشتركة، بعدما اعتبرا أن سنوات ترامب الأربع الرئاسية دفعت الكون إلى الأسوأ.

الملفت للإنتباه في الرسالة ـ المقالة ترتيب الأولويات الأطلسية وتحتل العلاقة مع روسيا مقدمتها، اذ يأمل الفرنسيون والألمان تجديد اتفاق ستارت للصواريخ في شباط/ فبراير المقبل ويبديان إستعداد أوروبا للمواكبة والمشاركة.

اما الصين، فتأتي في المرتبة الثانية والتي يراها الوزيران لودريان وماس، شريكًا ومنافسًا وخصمًا في آن واحد. يعتبران أيضًا ان التشاور والتعاون بين أوروبا وأميركا يؤديان إلى أفضل النتائج مع هذه الدولة القوية.

في المرتبة الثالثة، يأتي الملف النووي مع إيران والعلاقة مع تركيا في نفس المرتبة من التحديات.

ومن نافل القول إن أوروبا تريد بحث موضوع “الناتو” بعدما اكد وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في مقالتهما أن أوروبا لم تعد بحاجة للإعتماد المطلق على الحضور العسكري الأميركي في أوروبا.

سرعان ما توالت النصائح من كبار كتاب الأعمدة في الصحافة الأميركية، فوجه توماس فريدمان في مقالة نشرتها “نيويورك تايمز” في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر، بعيد إغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، نصيحة إلى بايدن بنسيان ما عرفه عن الشرق الأوسط إبان حكم باراك أوباما، معتبراً أن ما حصل يوم الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر ٢٠١٩ نقطة تحول في قوة وتأثير ايران عندما قامت ٢٠ مسيرة إيرانية محملة بصواريخ دقيقة بدك منشآت “آرامكو” في حقل البقيق السعودي. وإعتبر فريدمان هذه الضربة مؤشرًا على تحولات عميقة ليس على صعيد قوة ايران فحسب بل في تشكيل الشرق الأوسط المفترض أن تتعامل معه الإدارة الجديدة.

يبدو واضحًا أن أحدًا لا يعتبر منطقة الشرق الأوسط أولوية في المرحلة القريبة المقبلة، فالتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل يشكل بلا شك مكسباً لإسرائيل أولًا وللولايات المتحدة الأميركية ثانيًا كونها الحريصة على أمن اسرائيل ووجودها

أما ديفيد اغناثيوس، وفي مقالة نشرها في الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر في “واشنطن بوست“، فقد نصح الرئيس الأميركي المنتخب بعدم الإقدام على أي أمر وابقاء وضع الشرق الأوسط على ما هو عليه، دون جهد او تغييرات جذرية، معتبرًا أن إبقاء الوضع على ما هو عليه إنما هو إستراتيجية مقبولة.

من خلال هذه الأمثلة المساقة، يبدو واضحًا أن أحدًا لا يعتبر منطقة الشرق الأوسط أولوية في المرحلة القريبة المقبلة، فالتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل يشكل بلا شك مكسباً لإسرائيل أولًا وللولايات المتحدة الأميركية ثانيًا كونها الحريصة على أمن اسرائيل ووجودها، ويزيد من نفوذها الأمني والتجاري مع دول الخليج بسهولة ومرونة كبيرين.

وتطمح دول الخليج من خلال انفتاحها على اسرائيل، إلى تعزيز فرص جلوسها على مائدة المفاوضات مع إيران حول إتفاق نووي جديد (وترسيم حدود النفوذ الإقليمي) إضافة إلى الإستعانة الإستخبارية والتكنولوجية الخليجية بإسرائيل. لكن إيران تفصل مسار أمن الخليج عن الملف النووي، فهي تعتبر أمن الخليج مسؤولية أهله أما الملف النووي، فله آلياته المفترضة، علما أنه ليس هناك من مؤشرات عن رغبة إدارة بايدن بإشراك العرب أو إسرائيل في أية مفاوضات مع إيران حتى الآن.

قد يساعد إنتخاب بايدن في حل أزمة اليمن خليجياً، كما قد يساعد على احتواء التوتر الخليجي مع قطر وبنسبة اقل مع تركيا التي تجد نفسها في موقع المحتاج إلى ترميم علاقاتها مع مصر والخليج لأسباب اقتصادية وسياسية في آن. تركيا هذه باتت لاعبًا شديد التأثير وقوي الحضور في القوقاز والصومال وجيبوتي وقطر والعراق وسوريا إضافة الى محاولات شبك علاقات مع من تستطيع اليه سَبِيلًا في وقت يتراجع فيه التأثير السعودي إقليميًا ودوليًا  بقرار من ولي العهد محمد بن سلمان الذي شاء ان يركز اكثر على حماية المملكة وتحصينها وحصر التأثير السعودي في الخليج العربي فقط، ما يفسر اقتراب باكستان اكثر من تركيا وحتى من إسرائيل وإيران وابتعادها عن السعودية. فولي العهد السعودي يعتبر، وهو محق، أن النفط ليس دائمًا وأن من واجبه بناء إقتصاد لا يعتمد على النفط، الأمر الذي يتطلب من السعوديين العمل أكثر والإنتاج أكثر والإبتعاد عن سياسات التبرعات السخية التي لا تصنع نفوذًا أو معادلات.

لبنان ليس على جدول أعمال أحد بعكس ما يأمل وينتظر البعض، ما يعني أن احداً لن يهتم اليوم بوضع خطة إنقاذية للبنان على إعتبار أن هذا البلد بحكم الساقط بيد حزب الله وملف التفاوض مع  الحزب غير مطروح

تركيا التي تعرضت إلى عقوبات تحذيرية خفيفة نتيجة شراء منظومة إس إس ٤٠٠ من روسيا.. والسعودية التي شكلت مسألة حقوق الإنسان فيها والتعاطي العنيف مع المعارضين لها (جمال خاشقجي مثالًا) قضية اساسية في الحملة الانتخابية الأميركية، قد يجدان من مصلحتهما الإقتراب أكثر من بعضهما البعض من دون أن يبلغ الأمر حد التماهي لما له من تأثير سلبي على علاقة المملكة بحليفها الأول دولة الإمارات.

إقرأ على موقع 180  دبابةٌ.. تُعيد ألمانيا إلى حدود روسيا بعد ثمانية عقود!

أما في ليبيا، فالولايات المتحدة قررت منذ إغتيال سفيرها كريس ستيفان في بنغازي في أيلول/ سبتمبر ٢٠١١ الإبتعاد عن هذا البلد، فكان أن ملأ الروس والأتراك ومصر والإمارات الفراغ وهم يديرون دفة الصراع هناك.

ومصر التي أرادت بناء شراكة مع الأردن وإسرائيل وفلسطين وقبرص واليونان ومؤخرًا مع الإمارات حول منصات النفط والغاز في شرق المتوسط تطمح أن تتولى هي تسييل غاز المنطقة وتصديره كما تسعى لتعزيز اقتصادها وهي نجحت في نمو هو الأول في المنطقة. مصر هذه تواجه تركيا في ليبيا واثيوبيا في قضية سد النهضة وفلول الإرهاب في سيناء، إضافة إلى بناء منظومة صراعية ثابتة مع الإسلام السياسي الحركي المنكفىء أصلًا، لأسباب ذاتية وموضوعية.

في سوريا، إستمعنا مؤخراً للموفد الأميركي الخاص جويل ريبورن، يتحدث لمحطة “الحدث” الإخبارية السعودية حول إستراتيجية أميركا في سوريا والتي تقضي بإنهاء الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة حتى لو بقي النظام نفسه شرط تغيير سلوكه.

وفي العراق، يمتلك جو بايدن خبرة ومعرفة لا سيما عندما إحتل منصب نائب الرئيس خلال ولايتي أوباما، برغم الإقرار أن تجربته هناك، لم تكن ناجحة. فقد دعم بايدن نوري المالكي الذي إمتاز عهده بصعود “داعش” الى القمة وسمح لنفسه ان يخرج خارطة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات أراد التسويق لها، فضلاً عن ملف الفساد الذي تجاوز كل حدود خلال ولاية المالكي.

وأخيرًا لقد خسر لبنان بتواطؤ محلي وإقليمي فرصة إنجاح المبادرة الفرنسية. حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلتقاط لحظة إنشغال العالم بالإنتخابات الأميركية لتلقف فرصة إنقاذ للبنان وإعادته إلى الخارطة الدولية، لكن تجربة تكليف د. مصطفى أديب أُسقطت في مهدها، لأسباب داخلية وخارجية، ليصار إلى تكليف الرئيس سعد الحريري الذي عجز بدوره عن الإستفادة من تلك المبادرة الداعمة، ما أعاد لبنان ورقة في آخر سلم التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران.

لبنان ليس على جدول أعمال أحد بعكس ما يأمل وينتظر البعض، ما يعني أن احداً لن يهتم اليوم بوضع خطة إنقاذية للبنان على إعتبار أن هذا البلد بحكم الساقط بيد حزب الله وملف التفاوض مع  الحزب غير مطروح. المتوقع فقط هو التفاوض مع إيران وإعتبار لبنان وربما الإقليم كله ملفًا ملحقًا. هذا التفاوض الذي لن يبدأ، بحسب أحسن المتفائلين، قبل إنتهاء الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران/ يونيو ٢٠٢١ قد يطول لسنة أو أكثر. لننتظر ونخسر أكثر من رصيدنا في البلد وعند المجتمع الدولي ومن المتبقي من إحتياطي عملتنا الأجنبية.

Print Friendly, PDF & Email
خلدون الشريف

كاتب سياسي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  البؤس اللبناني.. وسذاجة المشروع الفيدرالي