باريس والقاهرة وأبو ظبي للحريري: حذار تقديم تنازلات!
CAIRO, EGYPT - NOVEMBER 21: (----EDITORIAL USE ONLY MANDATORY CREDIT - " EGYPTIAN PRESIDENCY/ HANDOUT" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS----) Lebanese Prime Minister Saad Hariri (L) meets with President of Egypt Abdel Fattah al-Sisi (R) at Presidential Ittihadiya Palace in Cairo, Egypt on November 21, 2017. (Photo by Presidency of Egypt / Handout/Anadolu Agency/Getty Images)

يسأل كثيرون عن سر توقيت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري إلى القاهرة ومنها إلى الإمارات، في إنتظار موعد ثالث في العاصمة الفرنسية.

يوحي خط سير طائرة سعد الحريري الخاصة بإتجاه القاهرة وأبو ظبي وباريس، بوجود تنسيق بين العواصم الثلاث. هذا التقدير ليس خاطئاً. التنسيق والتشاور قائم بين كل من فرنسا ومصر والإمارات. هذه العواصم حالياً هي الأكثر إهتماماً بالملف اللبناني، وأخذت باريس على عاتقها تنسيق مواقفها مع العاصمة الأميركية من جهة ومع العاصمة الإيرانية من جهة ثانية. أما التواصل مع السعودية، فهو ليس محصوراً بجهة معينة. سيحاول رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون خلال زيارته المقررة إلى السعودية منتصف هذا الشهر، إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن “لا تتخلى بلاده عن لبنان وتتركه إلى مصيره”، كما جاء في نداء ماكرون إلى ولي العهد في أول إتصال بينهما مطلع هذه السنة، وبالتالي، إنتقال السعودية “من حالة النأي بالنفس السلبية عن لبنان إلى مرحلة الإنخراط الإيجابي”.

وقد دخل المصريون أكثر من مرة على خط تبريد الموقف السعودي إلى حد أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قال لنظيره السعودي فيصل بن فرحان، في إحدى المرات أن المطلوب من السعودية أن تتعامل مع سعد الحريري أقله كما تتعامل مع رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، فالمملكة تعتبر أن لإيران حصة في الكاظمي، “وأنتم تتواصلون معه وتدعمونه، فلماذا تسري هذه القاعدة على الكاظمي ولا تسري على سعد الحريري”؟

كل محاولات باريس والقاهرة وأبو ظبي بإتجاه تعديل موقف الرياض باءت بالفشل حتى الآن، أقله لم تنجح في فتح ابواب المملكة العربية السعودية أمام سعد الحريري الموجود حالياً في الإمارات، والذي ينتظر “خبراً سعيداً” من المملكة، لا يبدو مكتملاً حتى الآن، لا سيما في ضوء دخول “وسيط جديد” على الخط في الآونة الأخيرة، نجح في فتح قنوات إتصال بين الحريري وإدارة جو بايدن وبين الحريري والإماراتيين لكنه لم يتوصل إلى اية نتيجة على خط الرياض.

ماذا فعل الحريري في القاهرة؟

خلال الإجتماع الذي عقده الحريري مع الرئيس المصري، ابدى عبد الفتاح السيسي دعمه للمبادرة الفرنسية، وقال إن باريس تنسق خطواتها مع القاهرة، بشكل مستمر، وعلى لبنان ألا يخسر هذه الفرصة لأنه لا يملك أصلاً ترف المفاضلة، في ظل إنكفاء المبادرات الدولية والعربية لا بل حالة اليأس من الملف اللبناني.

تحذير مصري للحريري من تقديم أية تنازلات تحت عنوان إنقاذ الوضع للخروج من المأزق، فأي تنازل عن مندرجات المبادرة الفرنسية (الدولية) بحجة الإنقاذ سيكون عبارة عن إنتحار

كان اللافت للإنتباه في الموقف المصري هو الآتي:

أولاً، تؤيد القاهرة تأليف حكومة مهمة من الإختصاصيين برئاسة الحريري وتحثه على عدم تقديم أية تنازلات من شأنها الإضرار بالمهمة المسندة إليه وإلى أهدافها، وفي الوقت نفسه، تدعو القاهرة الحريري إلى التمسك بمواقفه وعدم تقديم أية تنازلات، ولا سيما الإعتذار عن المهمة المُسندة إليه.

ثانياً، ليس مسموحاً لأية جهة لبنانية أن تقدم المصالح الحزبية والفئوية على مصلحة لبنان العليا. هذه النقطة تحمل في طياتها إشارة مصرية واضحة إلى أن ليس مسموحاً للحريري تقديم أية تنازلات لأي فريق، ولا سيما إلى جبران باسيل، سواء في موضوع الثلث المعطل أو في موضوع تسمية الوزراء الحزبيين. لا بل ذهب المصريون أبعد من ذلك بتبني الموقف الفرنسي ـ الأوروبي الداعي إلى أن تحظى تسمية أربعة وزراء أساسيين في الحكومة بقبول المجتمع الدولي وهذه الوزارات هي: المالية، الطاقة، الإتصالات والإقتصاد وليس حقيبة الأشغال العامة، كما كان يُردد البعض سابقاً، وهذا الأمر يدل على تركيز المجتمع الدولي على الوزارات التي تدرُّ أو تُديرُ أموالاً وليس تلك التي تصرف على طريقة وزارة الأشغال العامة التي سيتقلص إنفاقها إلى أضيق الحدود في الموازنات المقبلة.

ثالثاً، تحذير مصري للحريري من تقديم أية تنازلات تحت عنوان إنقاذ الوضع للخروج من المأزق، فأي تنازل عن مندرجات المبادرة الفرنسية (الدولية) بحجة الإنقاذ سيكون عبارة عن إنتحار لأنه إذا قبل بشروط جبران باسيل أو أي طرف داخلي، يمكن أن يشكل حكومة تدير الإنهيار والخراب، ولكنه لن يجد أحداً في المجتمع الدولي يصرف قرشا لأجل إنقاذ لبنان. وكان جواب الحريري للمصريين أنه ليس في وارد التنازل عن اللاءات التي ألزم نفسه بها.

رابعاً، إتفق المصريون مع الفرنسيين على إبقاء قنواتهم مفتوحة، وبينما كان الحريري مجتمعاً بالسيسي، كانت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو تعقد إجتماعاً تفصيلياً مطولاً مع سفير مصر في لبنان ياسر علوي، خصص لتقييم المعطيات الدبلوماسية المتصلة بالمبادرة الفرنسية، ومنها التواصل الذي جرى في الأيام الأخيرة على خط باريس ـ طهران، وتبلغ خلاله الفرنسيون موقفاً إيرانياً مباركاً للمبادرة الفرنسية، على أن نقطة الإلتباس التي يدركها المصريون ولا يحسن التعامل معها الفرنسيون هي طبيعة العلاقة التي تربط إيران بحزب الله، فالحزب في الموضوع اللبناني هو الذي يفصّل وليس الإيراني، وهذا لا ينفي أن الحزب أمام خيارين كلاهما صعب: إما أن “يتخلى” عن شريكه المسيحي لينقذ البلد، أو أن يتحمل مسؤولية انهيار البلد.

يقول الإماراتيون إنهم مستعدون للإستثمار في لبنان (وليس لتقديم أي دعم أو ودائع)، شرط أن يتوفر الإستقرار السياسي، والمدخل للإستقرار يكون بتشكيل حكومة تلبي تطلعات المجتمع الدولي “بعيداً عن الإملاءات الإقليمية والحزبية والفئوية”!

خامساً، تبلغت مصر موقفاً رسمياً لبنانياً داعماً لترشيح أحمد أبو الغيط لولاية جديدة على رأس الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وبذلك، بات الترشيح يحظى بتأييد 18 دولة عربية. هذا الترشيح جاء رداً على محاولة سعودية للمرة الأولى لتقديم مرشح سعودي إلى هذا المنصب، لكن القاهرة رفضت التنازل عنه.

إقرأ على موقع 180  محنة الديمقراطية من بيروت إلى تونس!

سادساً، تبلغ الحريري من القيادة المصرية أن القاهرة وعَمَّان وجهتا الدعوة إلى دورة غير عادية لمجلس وزراء الخارجية العرب في الثامن من شباط/ فبراير الحالي (الإثنين المقبل) في القاهرة، وظيفتها بلورة خارطة طريق لإعادة إطلاق مسار التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفق مرجعية قمة بيروت (2002) وبالتنسيق مع الرباعية الدولية.

سيتزامن إجتماع القاهرة المذكور مع إجتماع آخر، في اليوم نفسه، دعا إليه المصريون كل الفصائل الفلسطينية، وظيفته تذليل كل الصعوبات السياسية والتقنية وتوفير الظروف الملائمة لإجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في ايار/ مايو المقبل والرئاسية في تموز/ يوليو المقبل.

هل يملك الإماراتيون ما يمكن أن يشكل قوة دفع للمبادرة الفرنسية؟

بحسب المعطيات الدبلوماسية، لا رؤية إماراتية للملف اللبناني، ثم لا موقف خليجيا موحدا إزاء لبنان. بات لبنان مهملاً، وفق حسابات أهل الخليج. يدعم الإماراتيون المبادرة الفرنسية، وهذه النقطة كانوا قد أبلغوها إلى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، على هامش زيارته الأخيرة إلى ابو ظبي والتي أفضت إلى إطلاق سراح عدد من الموقوفين اللبنانيين في الإمارات.

يقول الإماراتيون للمرة الأولى منذ سنوات إنهم مستعدون للإستثمار في لبنان (وليس لتقديم أي دعم أو ودائع)، شرط أن يتوفر الإستقرار السياسي، والمدخل للإستقرار يكون بتشكيل حكومة تلبي تطلعات المجتمع الدولي “بعيداً عن الإملاءات الإقليمية والحزبية والفئوية”!

هل فوجىء المصريون بالبيان الفرنسي ـ الأميركي الذي صدر عن وزيري خارجيتي البلدين أنتوني بلينكين وجان إيف-لودريان بشأن لبنان، لمناسبة مرور ستة أشهر على إنفجار مرفأ بيروت؟

يجيب المصريون:”أبداً، هذا البيان كان نتاج دينامية أطلقها الإتصال الأول الذي أجراه الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهذه الدينامية لها مندرجاتها التي ستشمل إجراء إتصالات أميركية ـ أوروبية وأميركية ـ عربية قبل أن يخطو الأميركيون خطوتهم الأولى بإتجاه طهران”.

وماذا عن مضمون البيان الأميركي ـ الفرنسي، وهل التفويض الأميركي للفرنسيين لبنانياً محكوم بسقف زمني معين؟ للبحث صلة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  البرلمان الكويتي الجديد مُهدّد بالحل في سنته الأولى