هل يذهب محمود عباس الى غزة؟

تستمر الجهود الهادفة إلى وقف العدوان الإسرائيلي المُدمّر على قطاع غزة، وإذ من المقرر أن تحسم جولة القاهرة التفاوضية، هذا الأسبوع، التعقيدات المختلف عليها بين المقاومة الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي، لتنتقل بعدها جولة التفاوض إلى الدوحة، للتوقيع على النتائج المفترضة، فلا شيء حتى الساعة يُمكن الرهان عليه للقول إن مجالات الأمل فُتحت وبات وقف النار قريباً.

قبل انطلاق الجولة التفاوضية الأخيرة في الدوحة، أطلق المسؤولون الأميركيون موجة من التفاؤل جعلت من مشهد وقف النار على جبهة غزة مسألة وقت ليس إلا، ولكن من جهة أخرى، كان المسؤولون الأميركيون يتحدثون عن وتائر زمنية مختلفة للمفاوضات، فالخارجية الأميركية تحدثت عن يومين تفاوضيين، وجون كيربي الناطق بإسم مجلس الأمن القومي قال إن المفاوضات قد تستغرق أياماً عدة، فيما أشارت المتحدثة بإسم البيت الأبيض كارين ـ جان بيار إلى مفاوضات من دون سقف زمني.

وإذ انتهت مفاوضات الدوحة، برفع إضافي لمنسوب التفاؤل، فإن الوقائع التي ظهرت بعدها، كشفت تعنتاً إسرائيلياً عبّرت عنها المطالب التي كان اشترطها بنيامين نتنياهو، وخصوصاً ما يتعلق بعدم إلتزامه بوقف دائم لإطلاق النار، فضلاً عن تعقيدات المعابر والأسرى، وعملياً يعني ذلك كل الإطار العام للمفاوضات، وأما في تفاصيل التعقيدات فالمشهد يستقر على الآتي:

حين انطلقت مفاوضات الدوحة في الخامس عشر من هذا الشهر، كان المتفاوضون ينقسمون إلى طاقمين، واحد مولج بالبحث بمسألة المعابر، والثاني مكلف بالتباحث في قضية الأسرى، ولكن الأميركيين بحسب ما يقول نداف إيال في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية (17 ـ 8 ـ 2024) ارتأوا العمل وفق أربعة طواقم موزعة على الشكل التالي: أ: محور فيلادلفيا ـ ب: معبر رفح ـ ج: المساعدات الإنسانية ـ د: المفاوضات العامة بما فيها الأسرى ووقف النار.

ما الذي جرى حتى الآن؟

أولاً؛ محور فيلادلفيا:

هذا الشريط الجغرافي الجنوبي الممتد على طول 14 كلم، معنية به مصر بصورة أساسية، والمفاوضون الآخرون حوله أربعة، اثنان منهم حاضران فعلياً في المفاوضات، والثالث غائب ـ حاضر، والرابع حاضر ـ غائب، وأما الإثنان الأولان فهما الولايات المتحدة والإحتلال الإسرائيلي، والثالث حركة “حماس” والرابع هو السلطة الفلسطينية، والأخيرة تستمد حضورها من المطلب المصري، وهذا ما ترفضه إسرائيل حتى الآن، وتزيد على ذلك، بأنها على استعداد لتقليص عديد قواتها على محور فيلادلفيا، ولكنها لن تخرج منه، على الأقل هذه هي رؤية نتنياهو، فيما وزير دفاعه يوآف غالانت ومعه المؤسسة الأمنية، يرون ألا فائدة من وجود جيش الإحتلال على محور فيلادلفيا إذا شكل هذا الوجود عائقاً امام التوصل إلى صفقة، فالعودة إلى فيلادلفيا سهلة المنال إذا تأزمت الأحوال، على ما يقول غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي.

خلاصة القول حول معبر فيلادلفيا، أن أمره عالق بين رفضين لنتنياهو، رفضه الإنسحاب الكامل من المحور، ورفضه وجود السلطة الفلسطينية في المحور.

ينصب نتنياهو عائقاً لإطالة أمد حربه على غزة أو لإفشال المفاوضات، ويتضح ذلك من خلال شرطه بوضع مهلة محددة لإنهاء العملية التفاوضية في المرحلة الثانية، وبعد هذه المهلة يكون في حلٍ من أي التزام بما فيه وقف النار، وذلك يعني أنه يلجأ إلى الضغط الزمني للموافقة على شروطه أو العودة للحرب، مثلما يُريد تعهداً أميركياً مكتوباً أنه في حال عدم توصل الوسطاء إلى اجتراح حلول خلال المرحلة الثانية المضغوطة زمنياً، فلا يقع لوم أميركي عليه، حين يفتح نيران العدوان مجدداً على غزة

ثانياً؛ معبر رفح:

إذا ما أمكن توصيف محور فيلادلفيا بأنه “شريان الأمن” فمعبر رفح “شريان الغذاء” لقطاع غزة، والحال أن نتنياهو، يشترط إدارة عربية ـ دولية لهذا المعبر، مع وجود فلسطيني أقرب إلى السلطة، إنما الأفراد الفلسطينيون المفترضون في إدارة المعبر، يجب أن يقع عليهم الإختيار الإسرائيلي والتحقق من ولاءاتهم وانتماءاتهم الماضية والحاضرة، وزيادة على ذلك، إذا كان لا بد من وجود فلسطيني في المعبر المذكور، فالعلم الفلسطيني يُحظر رفعه.

وإذا كان المفاوضون المعنيون بمحور فيلادلفيا، معروفة أسماؤهم، فالمفاوضون العمليون والمحتملون حول رفح كثيرون ومتعددون، من “حماس” إلى الولايات المتحدة، ومن تل أبيب إلى أبو ظبي والدوحة وأنقرة، ولا يُستنثى من ذلك الرباط وجاكرتا، فالمغرب أعلن استعداده للمشاركة بوحدات عسكرية في غزة بشروط، ورئيس اندونيسيا المنتخب برابوو سوبيانتو قال إن بلاده لا تمانع إرسال جنود إلى غزة “إذا اقتضى الأمر”.

ويمكن القول إن حصيلة المفاوضات حول معبر رفح من الدوحة إلى القاهرة ما زالت صفرية، فالسؤال الذي يُشكّل مضمون المفاوضات برمتها مرتبط بإدارة معبر رفح، ومن يشارك في هذه الإدارة وما دور السلطة الفلسطينية أو أي شكل من أشكالها؟

ثالثاً؛ خط نتساريم:

ليس بالضرورة إعادة تعريف هذا الخط العسكري الفاصل بين جنوبي قطاع غزة وشماله، وأساس التفاوض حول هذا الخط يكمن في خروج قوات الإحتلال منه، وكما بات معروفاً، فإن نتنياهو يتنقل في نقاطه الشرطية حول هذا الخط من نقطة إلى أخرى، وإذ يقول كبار الخبراء العسكريين الإسرائيليين، أمثال الجنرالين يسرائيل زيف وإسحق بريك، بعدم ضرورة البقاء في هذا الخط، يُشدّد نتنياهو مرة على الفوائد الأمنية لبقاء جيش الإحتلال في نتساريم، ويتعنت في ثانية بعدم الإنسحاب الكامل، ويصر في ثالثة على تفتيش الفلسطينيين العائدين إلى مناطقهم في شمالي القطاع، وكل ذلك يؤشر إلى افتعال شروط لا تجعل من وقف النار قريباً، وهو الأمر الذي عكسه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل (16 ـ 8 ـ 2024) بعد يوم واحد من مفاوضات الدوحة، بقوله إن نتنياهو “يواصل العمل على طريقته؛ قدم إلى الأمام وقدم إلى الوراء، وكعادته، يهمّه كسب الوقت بصورة أساسية، وفي الواقع، من الصعب رؤية كيف يمكن لصفقة تُعرّض حكومته للخطر، ويمكن أن تُسّرع في خروج حزبَي اليمين المتطرف منها، أن تكون في رأس اهتماماته”.

إقرأ على موقع 180  نتائج البرلمان الأوروبي.. تسونامي اليمين المتطرف والانتصار للاستبداد

رابعاً؛ ملف الأسرى:

ثمة تسريبات أعقبت مفاوضات الدوحة، أفادت عن تقدم ما في مصير ملف الأسرى على جانبي الصراع، ومن ضمن ما قيل إن نتنياهو أسقط اعتراضه على لائحة أسماء الأسرى التي تقدمت بها المقاومة الفلسطينية في وقت سابق، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية عادت وتحدثت عن شروط إسرائيلية متجددة حول الأسرى، أحدها معرفة أسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء أولاً، ثم معرفة الأسرى التي ستفرج عنهم “حماس” والفصائل الأخرى، ثم نفي أسرى فلسطينيين إلى خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن الدول التي طرحها نتنياهو لإستقبال الأسرى الفلسطينيين قطر وتركيا وغيرهما.

 ومختصر المفاوضات حول الأسرى انسداده حتى اللحظة، أقله حتى عشية مفاوضات القاهرة، في حين أن تركيا تحضر في ملف الأسرى، كما في المفاوضات التي يمكن أن تنجح أو لا تنجح حول معبر رفح، وهذا الحضور التركي ربما تشكلت على أساسه الخلفية التي انطلق منها الرئيس محمود عباس للقول من داخل مجلس النواب في أنقرة إنه مستعد بمعية القيادة الفلسطينية أن يذهب إلى غزة، وتفصيلات ذلك بعد حين.

خامساً؛ وقف إطلاق النار:

بُعيد إطلاق الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحه حول قطاع غزة في أواخر أيار/مايو الماضي، أعلنت حركة “حماس” انها تنظر بإيجابية إلى هذا المقترح، وأعقبته بموافقتها على قرار مجلس الأمن الرقم 2735 الصادر في العاشر من حزيران/يونيو الفائت، والقائم بروحه ومضمونه على “مقترح بايدن” الذي يدعو في مرحلته الأولى إلى وقف النار لمدة ستة أسابيع، ويتم التوافق على وقف دائم للعمليات العسكرية في المرحلة الثانية.

ينصب نتنياهو عائقاً لإطالة أمد حربه على غزة أو لإفشال المفاوضات، ويتضح ذلك من خلال شرطه بوضع مهلة محددة لإنهاء العملية التفاوضية في المرحلة الثانية، وبعد هذه المهلة يكون في حلٍ من أي التزام بما فيه وقف النار، وذلك يعني أنه يلجأ إلى الضغط الزمني للموافقة على شروطه أو العودة مرة أخرى للحرب، مثلما يُريد تعهداً أميركياً مكتوباً أنه في حال عدم توصل الوسطاء إلى اجتراح حلول خلال المرحلة الثانية المضغوطة زمنياً، وفق توقيت نتنياهو وشروطه، فلا يقع لوم أميركي عليه، حين يفتح نيران العدوان مجدداً على غزة.

في المسافة الزمنية الفاصلة بين مفاوضات الدوحة والقاهرة، كتب رون بن يشاي في صحيفة “يديعوت احرونوت” (19 ـ 8 ـ 2024) الآتي: “الإشكالية الأكثر خطورة في المفاوضات تتعلق باليوم التالي ـ بعد وقف النار ـ وبمن سيحكم غزة، سلطة أخرى تقصي حماس؟ ذلك الأمر سيبدو صورة انتصار إسرائيلية رائعة”.

وحيال ما يقوله بن يشاي يصح تخيل هذا المشهد، بعد وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى كما ينص “مقترح بايدن”، ولمدة ستة أسابيع، وتفاصيل المشهد كما يلي:

ـ بعد دقائق وربما ثوان على إعلان وقف النار، سيخرج الغزيون من كل فج عميق، محتفلين بصمودهم ورافعين أعلام المقاومة بأطيافها المختلفة، فهل يطيق نتنياهو هذا المشهد؟

ـ طوال الأسابيع الستة على الأقل، ستكون إدارة قطاع غزة أمنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً على عاتق “حماس”، فهي الطرف الأكثر تنظيماً وتأهيلاً لإدارة القطاع، ومرة ثانية كيف سيتلقى نتنياهو هذا المشهد، وهل ستقفز عيناه إلى ما فوق حاجبيه؟

وأمام ذلك، كثيرون يطرحون مخرجاً لنتنياهو، من واشنطن إلى القاهرة إلى أنقرة، وقد لا تكون موسكو وبكين (على قلة تأثيرهما) بعيدتين عنه ويتمثل بعودة السلطة الفلسطينية أو ما يعادلها إلى قطاع غزة، وربما لم يكن الرئيس محمود عباس يتحدث من فراغ حين قال (15 ـ 8 ـ 2024) في أنقرة “قررتُ التوجّه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وأدعو قادة دول العالم والأمين العام للأمم المتحدة إلى تأمين وصولنا إلى قطاع غزة”.

ما الخطوات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية في “طريقها” نحو غزة؟

هذان الخبران للتأمل والتمعن:

1ـ كشف موقع “والا” الإسرائيلي (17 ـ 8 ـ 2024) أن حسين الشيخ “وزير الشؤون المدنية الفلسطينية راسل رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساهي هنغبي وطلب منه التنسيق حول زيارة محمود عباس إلى قطاع غزة، وعلى ألا تكون الزيارة عبر معبر رفح، وإنما عبر الحدود الشمالية للقطاع”.

2ـ قالت وكالة “وفا” الفلسطينية الرسمية (18 ـ 8 ـ 2024) إن القيادة الفلسطينية “شرعت بتحركاتها واتصالاتها على مستوى العالم للتحضير لتوجه الرئيس محمود عباس وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وتم في هذا الصدد التواصل مع الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والأشقاء في الدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والإتحادين الأوروبي والإفريقي، وغيرها من الدول والقوى الهامة في العالم، من أجل ضمان نجاح هذه الخطوة، وتوفير الدعم والمشاركة لمن أمكن وكذلك تم إبلاغ إسرائيل بذلك”.

هل تسمح اسرائيل بعودة “أبو مازن” إلى غزة؟

في 11 كانون الأول/ديسمبر 2023، نقلت “القناة 12” الإسرائيلية عن نتنياهو قوله في اجتماع للجنة الخارجية والأمن بالكنيست “إن الفرق بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية هو أن حماس تريد تدميرنا الآن، أما السلطة الفلسطينية فتريد تدميرنا على مراحل”.

خاتمة الكلام بيتان من شعر.. خالدان ومنسوبان إلى الشاعر مؤيد الدين الطغرائي:

أُعلّل النفسَ بالآمالِ أرقبها / ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمل.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  الدين يتحرر من الرأسمالية.. بانتصاره للإنسان